الإعجـاز العلـمي.. والإنجـاز­ الوهمـي!


ذهب البعض إلى تأويل آيات من القرآن الكريم تأويلاً علمياً لإثبات أسبقيته في مختلف العلوم والاكتشافات، فصرنا نقرأ، ونسمع، ونشاهد عن «الإعجاز العلمي» الذي يورد العديد من الشواهد الدالة على أن بعض نظريات واكتشافات العلماء، سبقهم إليها القرآن.
وبعيداً عن مسألة الإعجاز العلمي، دعونا نتساءل عن فائدة إثبات الأسبقية فيما نحنُ اليوم بعيدون كل البعد عن مضمار السباق العلمي الحاصل بين مختلف بلدان العالم، حتى بعض البلدان النامية التي بدأت في الانطلاق كالبرازيل، والهند، والارجنتين، إلخ... فما معنى أن نصاب بهوس إثبات الأسبقية؟
لنفترض بأن إثبات الأسبقية مهم على النطاق التأريخي للعلوم، وكذلك دعونا ندعي بأنهُ مهم لتثبيت إيماننا كمسلمين، لكن دعونا كذلك نتساءل عن الجانب العلمي، وهل نحنُ إذا ما فعلنا ذلك سنتطور علمياً وسنبدع نظريات لم يسبقنا إليها أحد؟ عن نفسي لا أعتقد ذلك!
 كانت العديد من الحضارات القديمة معنية ببعض الجوانب التي نعتبرها اليوم علمية، كالفلك الذي كان نشاطاً مقدساً لدى شعب «المايا»، وغيره من شعوب الحضارات القديمة... بالإضافة لذلك نعرف جيداً الارتقاء الذي بلغتهُ الحضارة اليونانية في مختلف المجالات. لكن هل لذلك أثر لو أن باحثاً وظف جل وقته للتحقيق في أسبقية المايا، أو اليونانيين، على مجرى سير العلوم اليوم؟
سيكون لذلك أثر على مستوى التأريخ كما أسلفنا، لكن ذلك لن يقدم أو يؤخر على المستوى العلمي. إن صراع الأسبقية، والفخر بهذه الأسبقية لا يجدي شيئاً في مقابل كون العلم «نشاط حر للإنسان، يعتمد على العقل والتفكير والخيال، بالإضافة لتقديمه الحلول للمطالب العديدة والاحتياجات البشرية من الثروة والراحة» كمـا يقول عالم البيولوجيا جون هالدين، فالعلم إنجاز بشري تدريجي متراكم، ومتطور، ومتفرع باستمرار، وإثبات الأسبقية لا يشير –بالتأكيد- لأي إنجاز يضاف لهذا التراكم، أو يفتتح جديداً من التفرعات في الوقت الحاضر، إن لم يكن مقروناً بعمل فعلي.
وكما أن عارفاً لا ينكر فضل العلماء المسلمين وأسبقيتهم في العديد من المجالات العلمية، إلا أن هذه الأسبقية لا تغني ولا تسمن من جوع في ظل حركة العلم اليوم... نعم.. كان العلماء المسلمين، وليس علماء اليوم المسلمون، وبين كان وعلماء اليوم قرون طويلة!
ولهذا من الأجدى بمن يتغنى بالأمجاد العلمية أن يوظف هذه الأسبقية لخلق واقع جديد يحفز على أن نكون أمة حية في مختلف المجالات.. أما الشغوفون بالإعجاز العلمي فمن الأجدى أن يوظفوا طاقاتهم، وقدراتهم، ومؤتمراتهم، والأموال المبذولة حول ذلك في التأسيس لواقع علمي يطرح نظرياته، واكتشافاته ليفرض وجوده.

صحيفة الأيام البحرينية، 15 نوفمبر 2014
http://www.alayam.com/Home/Article/90647

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!