مدن الملح "التيه" كنت طفلاً تسأل كالأمير!

"التيه" تلك المعنيةُ بالتفاصيل، تحدثك عن بداية الضياع، حين تمحى واحةٌ اسمها "عجرة" وتتغير منطقة "حران" التي يفِدُ عليها الأمريكا كالنمل حين يشمُ رائحة السكر.. لكن النفط كان سبب التوافد ولم يكن السكر!
الأمريكان الكائنات الملعونة التي حولت الحياة الطبيعية للبدو إلى حياة معقدة.. لم تعدل للقوافل، والصبايا الذاهباتُ لجلب المياه، والأطفال اللعبين مكانٌ فيها!
تندهشُ وأنت تقرأ، كيف لهذا الروائي "عبد الرحمن مُنيف" أن يسرد هذه التفاصيل الدقيقة في "607" صفحة ولا تزال في الجزء الأول من خماسيته الملحية أو الملحمية!!..
التيه تُسببُ لك توهان الخيال.. حيثُ ستعيش الرواية، ستضحك، ستحزن، سيقشعرُ بدنك.. ستكون ثائراً حينما تقرأ كيف ثار العمال، وكيف هاجموا معسكر الأمريكان، وكيف قُمعوا.. إلا أنهم أنتصروا في هذه الجولة، لقد انتصروا على "جوهر" ورصاص رجاله..
ستضحك أيما ضحك عندما تقرأ عن بداية قدوم "الصندوق المملوء بالعفاريت" إلى مجتمعٍ يُدهشهوا كل شيء.. ستتذكر نفسك وأنت طفل، عندما كنت تفكر في التلفاز، كيف يحتوي على آدميين رغم صغر حجمه! وكيف يتسنى لهم أن يفعلوا كل ذلك داخل هذا التلفاز.. ولن تنسى أنك لطالما تمنيت وأنت طفل، أن تفتح هذا التلفاز لتجد "مقدمة الأخبار" ولتجد "هيابوزا" و "بومبو" و "توم سوير" و "السندباد" و "عدنان ولينا"... فَعَلَ مثّلك أمير "حران".. ذلك الأميرُ العربي الذي رأى الراديو أول مرة، فأخذ منظاراً ليبحث عن أدميين داخل الصندوق!! وإلا كيف يتكلم هذا الراديو الملعون؟
سأتوقف قليلاً عن متابعة اجزاء الرواية.. سأدخل في فسحةٍ فكرية مع كتاب "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ" لسلامة موسيى، ثم أعود لمتابعة الجزء الثاني من مدن الملح، وهو "الأخدود" فأنا متشوق لـ "متعب الهذال" الذي أختفى ولكن بقي ذكره... ذلك البطل الذي ترك الرواية احتجاجاً على الأمريكان!
لكم مقتبسات من الرواية:
-         "إذا جن قومك عقلك ما ينفعك"
-         من جامع المصلين صلى، ومن جامع المغنين غنى.
-         الشتائم بأية لغة لا تخفى.
-         إذا كان لكل شيء في هذا الكون نهاية وحدّ، فإن شوق الإنسان إلى التعرف والاكتشاف لا يحده حد وليس له نهاية.
-         الحياة كلها صعوبات والدليل على ذلك أن الطفل حين يخرج من الرحم يبدأ بالبكاء والصراخ.
-         "من حكي الناس لا يأتي إلا العمى والطرش"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

الإعجـاز العلـمي.. والإنجـاز­ الوهمـي!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان