الحرية أن أختار أو أمتنع عن الاختيار

لن أجهد في أقناع القارئ بشيء مما يرد في هذا المقال من نقاط، وذلك لإيماني (بِبلاهة أن نحاول إقناع غيرنا على رأي من الآراء بنفس البراهين التي نقنع بها أنفسنا) كما يقول الدكتور علي الوردي. ولكني سأقوم بعرض ما أراه لا للإقناع.. وإنما للطرح، فمن أراد أن يؤمن فل يؤمن، ومن أراد أن يضحك فليضحك، ومن أراد أن لا يتابع قراءة المقال فل يقف!
هذهِ حريتك، وأنت تفهم دونما حسابات عقلية أو منطقية مقدار هذه الحرية التي تتمتع بها في اختيار المتابعة أو عدمها، أو في الضحك أو الإيمان بما يجيء في هذا المقال. ما يعني بأن الحرية أمرٌ فطري جبل عليه الإنسان، ونلاحظ ذلك في الطفل ما إن يبدأ المشي، حتى يعتبر نفسهُ حر، فيأخذ الطريق الذي يريد، طالما كان هذا الطريق أمناُ أو عندما يتيقن بأن والدهُ سيتبعهُ فيشعرُ بالأمان.. وهنا يتبين بأن الأمن عنصر أساسي من عناصر البيئة الحاضنة للحرية.
ليس ذلك جديداً علينا، نفهمُ ذلك، ونفهمُ بأننا أحرار، وما من أحدٍ ينكر حريته –الحرية التي نمتلكها، ولا يهبنا أيها احد- حتى ذلك الغارق في العبودية، يدعي تحرره، ولا يتوانى عن التحدث عن الحرية وتعريفها للآخرين.. وهنا خلل الفهم، إذ يرى بأنهُ يفهمُ الحرية، بل قد يدعي بأن الحرية تساوي العبودية لمن يحب أو من يرغب في أن يكون معبودهُ، ويبدأ أقناع الآخرين بهذا ولكن دونما اعتراف منه بأن ذلك شكلٌ من أشكال العبودية، وحالةٌ من انعدام الحرية!
وهنا لا نتحدث عن الحالة الدينية التي تتعلق بالعبادات، أو الخضوع لله أو للآلهة، فذلك حديثُ أخر، فالحديث ليس عن العبودية الخاضعة للآلهة –كيفما كان شكل هذه الآلهة- وإنما العبودية الذليلة لإنسان المتسلط.. ولكل الأنماط البشرية التي تمتلك مقادير السلطة، فتمارس دورها الاستعبادي من هذا المنطلق..
الحرية ليست حالة من انفلات المسؤولية والوعي، وإلا كان هذا الإنسان كالحيوان -وإن كنتُ اشك في عدم مسؤولية الحيوان ووعيه، إذ أنهُ يتميز بالمسؤولية التي جبل عليها في قطيعه، أو مجموعته، لهذا يقوم بالوظائف المنوطة به على أكمل وجه- إنما الحرية هي "حرية أن يختار الإنسان من بين خيارات متعددة، وأمكانية أن لا يختار من كل هذهِ الخيارات أو أن يرفض الأختيار." الحرية هي أن نؤمن بحرية الأخر في اختيار معتقده وطائفته، وتوجهه السياسي، دون أن نعتبرهُ ناقص العقل فيما ذهب إليه، ودون أن نرميه بالكفر، لعدم اتفقاه  وأيانا، ودون أن نحاربهُ في رزقه ومعاشه. الحرية هي أن نحترم خيارات ألآخرين ومسؤوليتهم عن هذه الخيارات. ليس ثمة من حقيقة واحدة ولكن هنالك حريات متعددة. فلا يجب علينا مصادرة حرية الآخرين، بل يجب أن نعيش مؤمنين بحرية الجميع وبحقه في ممارسة حقوقه كما يشاء ودون اعتداء على مشيئة الغير.
يتساءل جون ملتون فيما إذا انعدمت الحرية ويقول "إذا لم يكونوا أحراراً فكيف يبرهنون حقاً على ولائهم الصادق أو إيمانهم الراسخ أو  حبهم الخالص؟" فإذا انعدمت حرية الاختيار لدى الإنسان، فإنما الخيارات باطلة لكون الإنسان ليس حراً في اختيارها منذُ البداية.
"في حال وجود الحرية يمكن أن ينام الحاكم والمحكوم ملء الجفون" كما يقول مُنيف، وبالإضافة لذلك ويمكن لنا أن ننام جميعاً بهدوء وسكون.

نشر في صحيفة الوسط، وقد تم تحريره، وحذف بعض المقاطع منه..

تعليقات

  1. كما قال درويش

    حريتي أن أكون كما لا يريدون لي أن أكون

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العتمة الموحشة!

العقل المتقدم والآخر المتحيون!