ميشيو كاكو في الخيال الممكن

هذه السفينة الفضائية من فيلم "ستار تارك" والذي كثيراً ما يستشهد ميشيو كاكو به.
«يمكن مقارنة الطريقة التي يعمل بها دماغنا بجبل ضخم من الثلج الطافي. نعي فقط قمة الجبل، وهي بمنزلة العقل الواعي. لكن تحت سطح الماء وبعيداً عن أعيننا هناك شيء أكبر بكثير وهو العقل اللاواعي، الذي يستهلك قدراً كبيراً من القدرة الحاسوبية للدماغ لفهم الأشياء البسيطة حوله مثل معرفة أين تكون، ومع من تتكلم، وما الذي يحيط بك. ويتم هذا كله آلياً من دون إذننا أو حتى معرفتنا» هذا ما يقوله عالم الفيزياء، والمتخصص في علوم المستقبليات ميشيو كاكو في إحدى صفحات كتابه «فيزياء المستحيل» الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، عدد 399، أبريل 2013.
ميشيو أمريكي من أصل ياباني، التقى والداه في مخيمات الاعتقال أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). له العديد من المؤلفات والبرامج التلفزيونية والإذاعية، بالإضافة للعديد من الأفلام الوثائقية، وليس غريباً على كل متابع لقناة «ناشونال جيوغرافيك» وغيرها من القنوات.
كتبت قبل فترة مقالة بعنوان «لا مستحيلات ميشيو» عرضت فيها بشكل مقتضب لكتاب «فيزياء المستحيل» إلا أن الكتاب وكما ذكرت في المقالة ليس كتاباً علمياً أو مؤلفاً لأصحاب التخصص، فميشيو من هواة تبسيط العلوم، وقد ألف العديد من الكتب منها «رؤى مستقبلية؛ كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين» الذي ترجمته سلسلة عالم المعرف قبل كتابه هذا الكتاب.
في العديد من الأفلام خاصة أفلام الخيال العلمي، نشاهد مركبات، وآلات وأجهزة وتقنيات لم تتوصل لها البشرية بعد، لهذا سنقرأ بين صفحات «فيزياء المستحيل» العديد من الأمثلة على تلك التقانات الموجودة في أفلام الخيال العلمي، حيث يتناول كاكو هذه الخيالات أو كما يطلق عليها «المستحيلات» بشكل علمي، وفق قوانين الفيزياء التي نعرفها.
«بوصفي فيزيائياً، تعلمت أن المستحيل هو غالباً مصطلح نسبي» هذا ما يقوله ميشيو لينطلق في دراسة ما إذا سيمكننا ذات يوم السير في خلال حائط، أو بناء سفن فضائية عملاقة تيسير بسرعة الضوء، أو قراءة أفكار الآخرين، والاختفاء عن اعين الناس، وتحريك الأشياء بقوة عقلية، ونقل الأشياء بشكل فوري عبر الفضاء.
ستقرأ في الكتاب العديد من الأمور التي وصفة بأنها مستحيلة من قبل العلماء في الماضي «وأصبحت الآن جزءاً من حياتنا اليومية» ينقل كاكو أن اللورد كلفن، وكان «أشهر فيزيائيي الحقبة الفيكتورية، أعلن أن الآلات الأثقل من الهواء مثل الطائرة، مستحيلة، واعتقد أن أشعة إكس خرافة، وأنه لا مستقبل للمذياع، واستبعد اللورد روذفورد الذي اكتشف نواة الذرة احتمال بناء قنبلة ذرية» وكذب ذلك. ولكن واقع الحياة اليوم يقول غير ذلك، بل قد نصف المنكر لأي من المذكور بالمجنون، أو الغبي!
يذكر ميشيو بأن روبرت غودارد مؤسس علم الصواريخ الحديثة في العشرينيات والثلاثينيات كان «موضوعاً لسخرية شديدة من أولئك الذين اعتقدوا أنه لا يمكن للصواريخ أن أبداً أن تسافر في الفضاء الخارجي. لقد أطلقوا على محاولته بتهكم: حماقة غودارد» وقد شجب غودارد وقيل من قبل معارضيه بأنه «يفتقر إلى المعرفة الأساسية التي تعطى كل يوم في المدارسة الثانوية» ثم ماذا؟ يجيب كاكو بأن أدولف هتلر وعى معاني صواريخ غودارد المستحيلة، وخلال الحرب العالمية الثانية أمطر وابل من الصواريخ المتقدمة والمستحيلة على لندن مما خلف الموت والخراب، «ما جعلها تجثو على ركبتيها تقريباً».
يصنف كاكو الأشياء المستحيلة إلى ثلاثة أصناف: الأول يدعوه «مستحيلات الصنف الأول» وهي «تقانات مستحيلة اليوم لكنها لا تناقض القوانين المعروفة في الفيزياء. وبالتالي فهي ممكنة في هذا القرن، أو ربما في القرن الذي يليه، بشكل معدل. وهي تشمل النقل الفوري من بعد، ومحركات مضاد المادة، وأنواع معينة من التخاطر من بُعد، والتحريك النفسي (أو تحريك الأشياء بالقدرات الخارقة للطبيعة) والاحتجاب عن الرؤية».
في «مستحيلات الصنف الثاني» يتناول ميشيو التقانات التي «تقع على حافة فهمنا للعالم الفيزيائي، وإذا كانت ممكنة على الإطلاق، فإن ذلك سيستغرق ما بين آلاف وملايين السنين في المستقبل. وتشمل آلات الزمن، وإمكانية السفر عبر الفضاء الفائق، والسفر عبر الثقوب الدودية».
أما «مستحيلات الصنف الثالث» فهي «تقانات تناقض قوانين الفيزياء المعروفة، ومن الغريب أن هناك عدداً قليلاً جداً من مثل هذه التقانات المستحيلة. ولو ظهر أنها ممكنة، فإنها ستمثل تحولاً أساسياً في فهمنا للفيزياء».
بعد هذا العرض يتضح لماذا اقتبسنا قول ميشيو عن العقل في بداية هذا العرض للكتاب. قد لا تبدو لنا الأشياء التي تعرض في أفلام الخيال العلمي والتي يتناولها ميشيو في كتابه معقولة، إلا أننا ذكرنا بأن الصواريخ وأشعة إكس، والمذياع وغيرها الكثير من الأجهزة لم تكن معقولة فيما سبق إلا أنها باتت مسلماً من مسلمات الحياة. وتبقى الأشياء التي تناولها ميشيو مرهونة بجريان نهر الزمن حسب تعبير «غومبريتش».
يقسم ميشيو مستحيلات الصنف الأول إلى عشرة فصول، يتناول في الفصل الأول حقول القوة وهي بشكل مبسط استخدام الطاقة بشكل مكثف في أمر ما لصنع دروع لا يمكن اختراقها مثلاً. وفي الفصل الثاني يتحدث عن الحجب عن الرؤية، أو القدرة على إخفاء أنفسنا أو الأشياء. ثم في الفصل الثالث يتناول «المدافع الشعاعية ونجوم الموت» كالأسلحة الإشعاعية، والسيوف الليزرية، إلخ. ثم في الفصل الرابع يتناول «النقل الفوري البعيد» أو ما يسمى اصطلاحاً بالنقل الآني وهو إمكانية نقل الأشياء من مكان لآخر دون الحاجة للعبور من جدار أو استخدام وسائل النقل المعتادة، وقد نجح العلماء مؤخراً في النقل الآني ولكن على المستوى الذري.
في الفصل الخامس يستعرض كاكو «التخاطر عن بعد» ثم في السادس يبحث «الحركة بتأثير الدماغ» والتي كثيراً ما نسمع قصص واحديث حول أمكانية البعض فعلها، إلا أن ميشيو يتناولها وفق قوانين الفيزياء، وبشكل موسع. بعدها في الفصل السابع يتناول «الربوتات» وفي الثامن «الكائنات الفضائية والأجسام الغامضة» ويتطرق في هذا الفصل للبحث العلمي عن الحياة خارج كوكب الأرض، كما أنه يدرس هذه الكائنات في حال وجودها وكيف تبدو؟ بالإضافة للأجسام الطائرة.
وبعد في الفصل التاسع يشرح كاكو عن «السفن النجمية» وإمكانية صنعها وكيف سيتم، وماذا سنستخدم. كما يعرج على المصعد الفضائي، والذي يتم دراسته بشكل واقعي في أيامنا هذه. ويتحدث كاكو في هذا الفصل عن السفن النانوية –لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة- والتي قد تكون وسيلتنا في المستقبل لستكشاف الكون الواسع.
وأخيراً في الفصل العاشر من مستحيلات الصنف الأول يتناول «مضاد المادة، ومضاد الأكوان» وقد يكون هذا جافاً كونه يتحدث بشكل فيزئائي صعب بعتقادي، إلا أنك ولابد ستنتهي منه بشيء من الفائدة.
في مستحيلات الصنف الثاني يتناول ميشيو إمكانية أن نصل ذات يوم إلى «أسرع من الضوء» و»السفر عبر الزمن» ويتحدث عن «الأكوان المتوازية» ويختتم بمستحيلات الصنف الثلث ويتناول فيه «آلات الحركة الدائمة» وهي الآلات التي تعمل دائماً دون ضياع للطاقة. بالإضافة لتناوله «الاستبصار» أو رؤية المستقبل كما في العديد من الأديان أو المعتقدات.
أن قراءة كتاب «فيزياء المستحيل» ستساعدك في فهم العديد من الأشياء، بالإضافة لفهمك مجريات الأمور وهذه التقانات التي تستعرضها قصص الخيال العلمي، والأفلام. وكما قد تشعر أثناء القراءة بلا منطقية الأمور، نقتبس ما اقتبسه كاكو عن دوستويفسكي قوله «لو أن كل شيء على الأرض كان منطقاً، لم حدث شيء»!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

الإعجـاز العلـمي.. والإنجـاز­ الوهمـي!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان