11 سبتمبر 2001: حينها قفزتُ فرحاً...
أتذكر جيداً ذلك المشهد الذي بقي في ذهني إلى الآن. الحادي عشر من سبتمبر 2001، كنتُ في الثانية عشر من العمر، وكنتُ متسمراً أمام شاشة التلفاز، حيثُ لم نكن وقتها نمتلك "ستلايت" وما في التلفاز إلا القنوات الأرضية التي يلتقطها "الآريل".
أعتقد بأني كنتُ أشاهد رسوماً متحركة، لأنني أعرف جيداً بأن ذلك الوقت لا يمكن أن تكون لي أية اهتمامات سياسية، أو رغبة في مشاهدة نشرات الأخبار، بل على العكس، كنا نتساءل "متى بتصير الأخبار الحلقة الأخيرة؟".
إلا أن حدثاً بحجم 11 سبتمبر فرض نفسه على طفل في الثانية عشر، إذ نقل تلفزيون البحرين هذا الحدث بتفاصيله؛ مبنيين هائلين لا يوجد مثلهم في البحرين ترتفع منهم الأدخنة!! وأين؟ في أمريكا؟ آوه.. كانت المشاهد مفرحة. لماذا؟ لأنها حادثة في أمريكا!!
وأمريكا تلك "الشيطان الأكبر"، أمريكا الشر المطلق، أمريكا "عدوة الشعوب"! كان بديهياً أن يفرح طفل بحدث كهذا، أصاب تلك الأمريكا اللعينة في رأسه، والتي لقن عداوتها بشكلٍ مطلق، لكنهُ لم يكن يفرق بين أمريكا كسياسة، وأمريكا البشر العاديين. لم يكن يخطر بباله ذلك.
ذلك الطفل الذي هو أنا الآن استخدم المنطق في اجزاء من الثانية ليخرج بنتيجة، أنهُ لابد أن يفرح بسوءٍ ضرب أمريكا، كيف ذلك؟ بالمنطق الأرسطي، الذي لم يكن يعرفه، ولا كان يعرف أرسطو حتى، إلا أن عقله مبنيٌ على هذا النمط من التفكير، حيثُ وضع مقدمة كبرى، وهي أن أمريكا شريرة، ثم جاء بمقدمة صغرى وهي أن موت الأشرار يستوجب الفرح، إذاً؛ ماحدث لأمريكا شيء مفرح!
قفزتُ بغباء طفولي، ورفعت سماعة الهاتف -لم يكن وقتها شائعاً أن يكون لدى ابناء جيلي هاتف نقال، كان مخصصاً للكبار!!- اتصلتُ بوالدي الذي كان يمتلك نقالاً من نوع "كاتل" وأخبرتهُ عن الحادث الذي اشاهده الآن على الشاشة! وتتابعتُ في أخباره عن كل جديد...
مضى على ذلك اليوم أكثر من 12 عاماً؛ أيّ بمقدار عمري في تلك اللحظة... بدت لي الأمور مختلفة. وبدا لي بأن الموتى إثر الحادث هم أُناسٌ ابرياء. بشرٌ لا علقة لهم بشيء. بدا أن فرحي في تلك الفترة كان غباءً طفولياً، كان خبلاً صبيانياً... وما كانوا إلا بشر عاديين، بشر ماتوا وهم غير مقتنعين بموتهم، ماتوا وهم متأكدين بأنهم لا يجب أن يموتوا! كما نحنُ اليوم؛ مقتنعون بأناّ لا يجب أن نموت لأجل شيء سخيف. بأن لا نموت بسبب طلقة أحمق، أو عبث غبي، أو من أجل أن يبقى سلطانٌ أو رئيسٌ على الكرسي... وما كانوا إلا بشر يستحقون الحياة، كما يستحقها كل الموتى الذين يموتون في كل هذا العالم العربي، بسبب حماقات وحقارات متنوعة!
سيد أحمد رضا
أعتقد بأني كنتُ أشاهد رسوماً متحركة، لأنني أعرف جيداً بأن ذلك الوقت لا يمكن أن تكون لي أية اهتمامات سياسية، أو رغبة في مشاهدة نشرات الأخبار، بل على العكس، كنا نتساءل "متى بتصير الأخبار الحلقة الأخيرة؟".
إلا أن حدثاً بحجم 11 سبتمبر فرض نفسه على طفل في الثانية عشر، إذ نقل تلفزيون البحرين هذا الحدث بتفاصيله؛ مبنيين هائلين لا يوجد مثلهم في البحرين ترتفع منهم الأدخنة!! وأين؟ في أمريكا؟ آوه.. كانت المشاهد مفرحة. لماذا؟ لأنها حادثة في أمريكا!!
وأمريكا تلك "الشيطان الأكبر"، أمريكا الشر المطلق، أمريكا "عدوة الشعوب"! كان بديهياً أن يفرح طفل بحدث كهذا، أصاب تلك الأمريكا اللعينة في رأسه، والتي لقن عداوتها بشكلٍ مطلق، لكنهُ لم يكن يفرق بين أمريكا كسياسة، وأمريكا البشر العاديين. لم يكن يخطر بباله ذلك.
ذلك الطفل الذي هو أنا الآن استخدم المنطق في اجزاء من الثانية ليخرج بنتيجة، أنهُ لابد أن يفرح بسوءٍ ضرب أمريكا، كيف ذلك؟ بالمنطق الأرسطي، الذي لم يكن يعرفه، ولا كان يعرف أرسطو حتى، إلا أن عقله مبنيٌ على هذا النمط من التفكير، حيثُ وضع مقدمة كبرى، وهي أن أمريكا شريرة، ثم جاء بمقدمة صغرى وهي أن موت الأشرار يستوجب الفرح، إذاً؛ ماحدث لأمريكا شيء مفرح!
قفزتُ بغباء طفولي، ورفعت سماعة الهاتف -لم يكن وقتها شائعاً أن يكون لدى ابناء جيلي هاتف نقال، كان مخصصاً للكبار!!- اتصلتُ بوالدي الذي كان يمتلك نقالاً من نوع "كاتل" وأخبرتهُ عن الحادث الذي اشاهده الآن على الشاشة! وتتابعتُ في أخباره عن كل جديد...
مضى على ذلك اليوم أكثر من 12 عاماً؛ أيّ بمقدار عمري في تلك اللحظة... بدت لي الأمور مختلفة. وبدا لي بأن الموتى إثر الحادث هم أُناسٌ ابرياء. بشرٌ لا علقة لهم بشيء. بدا أن فرحي في تلك الفترة كان غباءً طفولياً، كان خبلاً صبيانياً... وما كانوا إلا بشر عاديين، بشر ماتوا وهم غير مقتنعين بموتهم، ماتوا وهم متأكدين بأنهم لا يجب أن يموتوا! كما نحنُ اليوم؛ مقتنعون بأناّ لا يجب أن نموت لأجل شيء سخيف. بأن لا نموت بسبب طلقة أحمق، أو عبث غبي، أو من أجل أن يبقى سلطانٌ أو رئيسٌ على الكرسي... وما كانوا إلا بشر يستحقون الحياة، كما يستحقها كل الموتى الذين يموتون في كل هذا العالم العربي، بسبب حماقات وحقارات متنوعة!
سيد أحمد رضا
تعليقات
إرسال تعليق