ثقوب في سفينة نوح
أن تستيقظ مندهشاً من نفسك، فتبدو كمن عصبت عيناه طوال الطريق، ووضع في زنزانة مظلمة يجهل فيها مكانه، والوقت الذي هو فيه.. حالة لابد وأنها حدثت لكل واحدٍ منا خلال حياته. أو بصورة أقل منها عبر استيقاظك فزعاً من النوم وأنت تعتقد بأن موعداً ما فاتك، فتحملق في ساعتك، لتجد بأنك لا تعي أهذا الوقت صباحاً أم مساء، وأحياناً تصل بك الحالة للشك في ساعتك!
ذات يوم نادني رجلٌ مسن يقف وسط الطريق، وسألني "أين أنا؟" لم يكن في مكان يجهله، فهو أبن المنطقة التي أنا منها. وبعد أن أجبته سألني عن بيته، أين يقع؟ كان بيته على مقربة من نفس الطريق، أشرت لهُ على بيته، فقال "رحم الله ولديك" وذهب...
نطلق على هذه الحالة "أم الديفان" وهي أشبه بحالة تيه مؤقت، لا نعي فيها الجهات، ولا أين نحن، ولا كيف يمكننا الخروج من طريق نعرفه جيداً. قد يكون لها تفسيراً أو مسماً علمياً، ولا بد أنها تتعلق بشيءٍ ما في الدماغ لهُ علاقة بالطب، إلا أن ما يعنيني هنا؛ حالة التيه المؤقت التي تصيب أيّ إنسان في وقتٍ من أوقات حياته، ليس بالضرورة بصورة "أم الديفان" بل بصور مختلفة.
تعتبر عبارة ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود" من أكثر العبارات التي حاولت الإستدلال على الوعي بالذات شهرة، إلا أن جون لوك عرف الوعي بانه "إدراك الإنسان لما يدور في عقله" قد تبدو التعريفات كثيرة عن الوعي بالذات... ولكن ما يهمني الآن هو الحديث عن حالة الوعي بالذات على نطاق المجتمعات، وهي حالة تيه عادة ما تطول!
إذا ما قلنا بأن الوعي بذواتنا يعني أن ندرك وجودنا الحقيقي، فبماذا نعبر عن إدراكنا الوجودي كأمة أو كمجتمعات تتفق في اللغة؟ ببساطة؛ بستطاعتي إدراك ذاتي عبر النظر في المرآة وإدراك أن المنعكس هو أنا، وليس شخصاً آخر.. بينما يقول العلماء أن الكلب إذا ما وضع أمام المرآة فأنهُ يقوم بشم المرآة والنباح معتقداً بأن كلباً آخر يقف أمامه، دون أن يعي بأن الأمر ما هو إلا أنعكاس... هل نحن كمجتمعات كحالة هذا الكائن؟ بعمنى أننا ندرك وجودنا، ولكن مجازاً لا ندرك بأننا نحنُ المنعكسون في المرآة؟
قد يكفي الوعي بالذات على المستوى الشخصي أن يعي الإنسان وجوده، ثم لا يعنينا إن كان غيره يعتني بهذا الوجود أم لا، لكن وجود المجتمعات لابد وأنه يعني غيرها من المجتمعات، وقد يقال بأن الفرد هو المكون الرئيسي للمجتمع، وأن وعي الآخرين بذات الفرد، يحتم بالضرورة خلق مجتمع حي يفرض وجوده. في مصاف الأمم والمجتمعات المقدمة. وهذا صحيح.
إحدى صور هذا الوجود المجتمعي أن يكون المجتمع حاضراً، واعياً بذاته ومقدرته، وأن يكون هذا الحضور إيجابياً، لا أن يتمثل بصورة الموت، والقتل، والصراع، بل بصورة نستطيع أن نقول بأنها تدفع العالم للنظر إلينا، حتى وإن لم نبذل الجهد في جعله يلتفت... خذ مثلاً؛ مؤخراً تم إدراج اسم الأديبة السورية غادة السمان على قائمة المرشحين لنيل جائزة نوبل للأدب؛ اعتقد بانها صورة من صور الوجود، صورة تشهد للعالم بأن مجتمعات عربية لطالما وصفت بالمتخلفة، والدموية -بعض الأحيان- يمكنها أن تحيا، وهذا يمتد إلى كل المجالات، حتى المستخف بها في مجتمعاتنا... يهم أن نعي بأننا مجتمعات يمكنها أن تحيا، وأن تقدم للآخرين الحياة، بدلاً عن الصور الحالية.. يهمنا أن نعود لصورتنا في القرون السالفة، لا عودة غبية، بل عودة تجعل الآخرين يسعدون بوجودنا، يهمنا أن لا نصاب "بأم الديفان" طويلاً، فنبقى على حالنا ندور، وندور دون أن نستطيع الانتقال إلى شكل آخر، ودون أن نعي ذواتنا. يهمنا أن نغلق ثقوباً في سفينة غارقة لتبحر بنا في مصاف السفن المبحرة على ماء هذا العالم...
سيد أحمد رضا
ذات يوم نادني رجلٌ مسن يقف وسط الطريق، وسألني "أين أنا؟" لم يكن في مكان يجهله، فهو أبن المنطقة التي أنا منها. وبعد أن أجبته سألني عن بيته، أين يقع؟ كان بيته على مقربة من نفس الطريق، أشرت لهُ على بيته، فقال "رحم الله ولديك" وذهب...
نطلق على هذه الحالة "أم الديفان" وهي أشبه بحالة تيه مؤقت، لا نعي فيها الجهات، ولا أين نحن، ولا كيف يمكننا الخروج من طريق نعرفه جيداً. قد يكون لها تفسيراً أو مسماً علمياً، ولا بد أنها تتعلق بشيءٍ ما في الدماغ لهُ علاقة بالطب، إلا أن ما يعنيني هنا؛ حالة التيه المؤقت التي تصيب أيّ إنسان في وقتٍ من أوقات حياته، ليس بالضرورة بصورة "أم الديفان" بل بصور مختلفة.
تعتبر عبارة ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود" من أكثر العبارات التي حاولت الإستدلال على الوعي بالذات شهرة، إلا أن جون لوك عرف الوعي بانه "إدراك الإنسان لما يدور في عقله" قد تبدو التعريفات كثيرة عن الوعي بالذات... ولكن ما يهمني الآن هو الحديث عن حالة الوعي بالذات على نطاق المجتمعات، وهي حالة تيه عادة ما تطول!
إذا ما قلنا بأن الوعي بذواتنا يعني أن ندرك وجودنا الحقيقي، فبماذا نعبر عن إدراكنا الوجودي كأمة أو كمجتمعات تتفق في اللغة؟ ببساطة؛ بستطاعتي إدراك ذاتي عبر النظر في المرآة وإدراك أن المنعكس هو أنا، وليس شخصاً آخر.. بينما يقول العلماء أن الكلب إذا ما وضع أمام المرآة فأنهُ يقوم بشم المرآة والنباح معتقداً بأن كلباً آخر يقف أمامه، دون أن يعي بأن الأمر ما هو إلا أنعكاس... هل نحن كمجتمعات كحالة هذا الكائن؟ بعمنى أننا ندرك وجودنا، ولكن مجازاً لا ندرك بأننا نحنُ المنعكسون في المرآة؟
قد يكفي الوعي بالذات على المستوى الشخصي أن يعي الإنسان وجوده، ثم لا يعنينا إن كان غيره يعتني بهذا الوجود أم لا، لكن وجود المجتمعات لابد وأنه يعني غيرها من المجتمعات، وقد يقال بأن الفرد هو المكون الرئيسي للمجتمع، وأن وعي الآخرين بذات الفرد، يحتم بالضرورة خلق مجتمع حي يفرض وجوده. في مصاف الأمم والمجتمعات المقدمة. وهذا صحيح.
إحدى صور هذا الوجود المجتمعي أن يكون المجتمع حاضراً، واعياً بذاته ومقدرته، وأن يكون هذا الحضور إيجابياً، لا أن يتمثل بصورة الموت، والقتل، والصراع، بل بصورة نستطيع أن نقول بأنها تدفع العالم للنظر إلينا، حتى وإن لم نبذل الجهد في جعله يلتفت... خذ مثلاً؛ مؤخراً تم إدراج اسم الأديبة السورية غادة السمان على قائمة المرشحين لنيل جائزة نوبل للأدب؛ اعتقد بانها صورة من صور الوجود، صورة تشهد للعالم بأن مجتمعات عربية لطالما وصفت بالمتخلفة، والدموية -بعض الأحيان- يمكنها أن تحيا، وهذا يمتد إلى كل المجالات، حتى المستخف بها في مجتمعاتنا... يهم أن نعي بأننا مجتمعات يمكنها أن تحيا، وأن تقدم للآخرين الحياة، بدلاً عن الصور الحالية.. يهمنا أن نعود لصورتنا في القرون السالفة، لا عودة غبية، بل عودة تجعل الآخرين يسعدون بوجودنا، يهمنا أن لا نصاب "بأم الديفان" طويلاً، فنبقى على حالنا ندور، وندور دون أن نستطيع الانتقال إلى شكل آخر، ودون أن نعي ذواتنا. يهمنا أن نغلق ثقوباً في سفينة غارقة لتبحر بنا في مصاف السفن المبحرة على ماء هذا العالم...
سيد أحمد رضا
تعليقات
إرسال تعليق