الغضبان يبتكر أشكالاً­ جديدة ويمزج بين الطباعة واللون

مع الفنان عبد الجبار الغضبان

سيد أحمد رضا

يستعدُ الفنان عبد الجبار الغضبان لمساءٍ من الدهشة.. مساء الأحد، العاشر من نوفمبر في «جاليري الرواق» سيفتتح إبداعاً مختلفاً موضوعاً ولوناً ورمزاً وتعبيراً.. إبداعاً يمزج الرسم التقني باللمسات الواقعية ليد لا ترتعش على اللوحة كما لا ترتعش على «فأرة» الكومبيوتر!
في مرسم «عشتار» محترفه المشترك مع الفنان عباس يوسف، يجلس الغضبان بشعره الأبيض الشبيه بندف الثلج، وتحيط به كائناته التي ابدعها، المرأة سيدة المكان كما هي سيدة اللوحة في أغلب اعماله.. يحدثك باسترسال عن معرضه القادم الذي سيقدم فيه جديداً مرتبطاً بأساليبه السابقة.


الجديد المختلف
الحنين إلى الواقعية التعبيرية يقود الغضبان في هذا المعرض لتقديمه أعمالاً جديدة تختلف عن الأساليب السابقة «من ناحية الجوانب التعبيرية للشخوص، والجوانب الإنسانية» التي لها ارتباط باشتغال جبار على التعبير في فترات العمل بمجال لجرافيك أو الحفر.
إلا ان الاختلاف هذه المرة - كما يصف الغضبان - يكمن في «طبيعة العمل الفني، ونوعه، حيث تأخذ الأعمال عمقاً مكثفاً بالنسبة لصياغة الأشكال والعلاقات في بناء اللوحة، بالإضافة لتوزيع الألوان، والكتل الفنية». وهذا ما يختلف عن الأعمال التعبيرية السابقة للغضبان، إذ «تكون الفكرة فيها مكثفة بحيث لا ترتبط كثيراً بالتفاصيل التي تبرز جوانب الرسم، والخطوط الصريحة في اللوحة».
يتابع جبار توصيف جديده، كاشفاً عن انغماسه في عالم التقنية الذي يمزجه بلمساتٍ واقعية من فرشاته «قدمتُ أشكالاً وموضوعات بألوان مختلفة، مستفيداً من تقنيات الكومبيوتر» والذي أضحى معملاً لتخليق الأشكال والرسوم بالنسبة له. ثم بعد طباعتها «دمجتها بألوان الأكريليك، عبر تلوين جزئيات منها.. فكان تزاوجاً ما بين الطباعة والتلوين».


في المحترف الافتراضي
رفضاً للسكون الاستاتيكي، وإيماناً بالتجريب حاول الغضبان أن يختبر مدى قدرته على تقديم أشكال جديدة عبر محترفٍ هو السيد في هذا العصر.. برامج الكومبيوتر هي المحترف الجديد للغضبان، محترف لا تملأه الكركبات وأدوات الرسم.. عبره يرسم الغضبان لوحاته حيث «تختلف خطوط الرسم عن الخطوط الموجودة في اللوحة اللونية» المرسومة في العالم الواقعي. ويضيف «استفدتُ من بعض الألوان، والتقنيات ذات التأثير المختلف عن اللون الطبيعية، والتي تعطي انطباعاً مشابهاً للأعمال المطبوعة» بالنحاس. ثم يأتي اللون الطبيعي مكملاً على اللون التقني «لأعطي تمازجاً وانطباعاً مختلفاً لكي لا تأخذ اللوحة طابعاً تقنياً بحتاً».
ويبين الغضبان بأن العمل في هذا المحترف «يحتاج للدقة.. وهذا ما اعتبرته نوعاً من التحدي في أن استطيع رسم لوحةٍ واقعية على الكومبيوتر» مؤكداً على أن «التجريد قد يكون أسهل بكثير من العمل الواقعي الذي يستنزف منك الكثير من الوقت» إلا أنه يرى في ذلك متعته. وقد اعتمد عبد الجبار «على الخطوط البسيطة في إبراز الوجوه بختزالات معينة تعطي إحساساً بأهمية الخط في الرسم». ويخوض الغضبان هذا التحدي لختبار تأثير العمل على شاشة الكومبيوتر.
لكنه لا يستخدم برامجاً احترافية وإنما البرامج البسيطة جداً كبرنامج «Paint». وبعد الانتهاء من رسم اللوحة، يقوم بعتمادها كعملٍ أصلي لا يستخدم فيه أسلوب النسخ المتعددة «بمعنى أنها غير منسوخة أو مكررة النسخ.. وقد قدمت لكل عمل نسخةٌ واحدة فقط». ويختتم الغضبان هذه الجزئية بالقول «على الفنان أن لا يقف عند حدٍ معين.. عليه أن يجرب طوال مسيرته الفنية العديد من الأساليب والتقنيات لاكتشاف الأبعاد المختلفة عن التقنيات التقليدية».


رموز بمفاهيم أخرى
إضافة للموضوعات المبسطة والتي «تعتمد على شكلٍ أو شكلين للتركيز على محور التكوين في اللوحة، والأبتعاد عن المساحات الخلفية في العمل الفني بحيث يعطي قوة للعمل». فان حضور الرمز هذه المرة يعطي معالجة جديدة ومختلفة بالنسبة لأعمال الغضبان السابقة، حيث الحصان وعلاقته مع العنصر الإنساني، بالإضافة للعلاقة ما بينه وبين المرأة، كما يستخدم الطائر المرتبط بعلاقة خاصة مع المرأة في العديد من أعماله. فالحصان في أعمال الغضبان السابقة «للتعبير عن الغضب أو رفض لواقع معين.. بينما هو الآن يحمل بعداً إنسانياً باعتباره صديقاً أو مرتبطاً بعلاقة حميمة مع المرأة». كما تحمل الوجوه «روحاً تعبيرية في حالات نفسية مهمة وحقيقية».
وقد لجأ الغضبان إلى الابتعاد عن الواقع في رسم الوجوه لـ «يعطي صورة مختلفة لوجه الإنسان، والمرأة، بالإضافة للتفرعات التي تتداخل وملامح الإنسان» وهذا ما أراده ليعطي خصوصية لأعماله، إضافة لستخدامه اللألوان بطريقة لا واقعية، تحمل جوانباً تعبيرية، «فألون الأشكال والوجوه بطريقة معينة تعطي تأثيراً مختلفاً عن اللون التقليدي».
وعودة للرمز الذي يستخدمه الغضبان «لإيجاد علاقة إنسانية تبحث عن الهدوء.. وهو تركيز على جوانب تدعوى للمحبة والسلام، وللحياة الطبيعية البعيدة عن الجوانب البشعة».
يذكرنا عبد الجبار في استخدامه لرمزية الكائن الحي - من حيوانات وطيور - بالأساطير الفرعونية، والديانة الهندية القديمة التي شاع فيها استخدام الحيوانات كرمزيةٍ ترتبط بعلاقة ما مع الإنسان. كما يضفي على بعض أعماله طابعاً محلياً باستخدامه لتلك الرموز التي «تعطي تأثيراً نفسياً وانطباعياً عن الشكل وجماليته وخصوصيته». ويضيف «قد تحمل موضوعاتي غرابة ما، فأنا عندما أُصيغ مواضيعي أبحث عن شيئاً مختلف، يثير لدي رغبة في أن أحب لوحتي، لا أن تكون مجرد لوحة لا تربطني بها أية عاطفة، كما أريد لها أن تثير في داخلي الفضول.. وأن تثير التساؤلات في ذهنية المتلقي».


معرض تمهيدي لأعمال قادمة
يقول الغضبان بأن هذا المعرض «هو مقدمة لأعمال قادمة» لكنه لن يستخدم تقنية الكومبيوتر «حاولت الاستفادة من الرسم بالكومبيوتر لأقدم جديداً، ولو كان بشكل بسيط، لكن هدفي هو تقديم اعمال قادمة، تعطي دفعة لإجراء بعض الاضافات الجديدة في الشكل واللون، وإبراز الأبعاد عن طريق تأثير اللون، دون اللجوء لخلق البعد الثالث» ويضيف «هذه التجربة ستفيدني في إبراز أشكالي التعبيرية بنمطية مختلفة، وأشعر بأنها قد تكون ذات جمالية خاصة تعتمد على تبسيط بناء الشكل الإنساني، والتبسيط في مساحات اللون، وذلك حتى يتم التركيز على الشكل الاساسي أو الشكل الآدمي في مساحة اللوحة».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

الإعجـاز العلـمي.. والإنجـاز­ الوهمـي!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان