«الرسم حرامٌ يا ولدي... وستُسأل عن نفخ الروح!»

الفنان أحمد عنان وسيد أحمد رضا

سيد أحمد رضا
صبي كان يختبئ في الحجرات المنزوية ليرسم، لم يكن يستمع لتحذيرات والده المتكررة حول حرمة الرسم. كان يخاف أن يُسأل عن نفخ الروح يوم القيامة، في تلك الأجساد التي احترف رسمها كما كان يحذرهُ والده، إلا أن ذلك لم يحل دون استمراره في عالمه المعشوق.
هو الفنان أحمد عنان الذي كان يعمل بناءً مع والده، والذي كان يرى في كل الأشياء ملامح أشكالٍ فنية «الملح المترسب على جدران البيوت، الرطوبة المتشكلة على تلك الجدران، أثر التراب، بقع الإسمنت» كلها تعني لعنان رسومات فنية، أو هي انماط كانت تتهيأ له بأشكال مختلفة!

المرأة: الرمز والسر
للمرأة حضور بارز في أعمال الفنان عنان، لأنها كما يقول «الأم، الحب، الحياة، الأخت، الزوجة، الوطن، الأرض، الخصب، السلام، الأمان، الجمال، القوة، الدفء، الجرأة» ولهذا لا تفارق المرأة لوحاته «منذُ بداياتي حضرة المرأة في أعمالي الفنية لما تمتلكهُ من رمزية جامعة للعديد من الأمور» بالإضافة لذلك فإن عنان ابن البيئة القروية المحافظة التي تتغطى فيها المرأة بعباءتها من رأسها حتى أخمص قدميها، تشكلت عنده حالة من ردة الفعل تجاه الكشف عن الجمالية التي تخبئها المرأة خلف عباءاتها.
ردة الفعل هذه عززتها مشاهداته لأعمال كبار فناني عصر النهضة «عندما أشاهد الأعمال الفنية المعنية بتفاصيل الجسد، سواء من منحوتات لدافنشي، أورفائيلو، أومايكل أنجلو أو غيرهم، يبدو لي جلياً كم العاطفة والجمال الذي يحتويه هذا الجسد الذي اعتنى بإبرازه أولئك الفنانون العظام».
هذا المسكونية التي ذهب في اتجاهها الفنان عنان جعلتهُ يصور النساء القرويات بمزجٍ ما بين الأصالة والمعاصرة «في الفترة الأخيرة بدأتُ الاعتناء بلباس المرأة القروية، وأضحى محط اهتمامي الخاص» ذلك انطلاقاً من كون هذا اللباس، أو الزي الشعبي «مثير من الناحية الفنية، كما هو من الناحية الجمالية، واللونية، والشكلية، بالإضافة لاختزاله للعديد من الرموز» فهذا الزي المزركش، والملون بمختلف الألوان كان بالنسبة للنساء، عنصراً جمالياً مكمل لجمال المرأة.
بالإضافة لذلك يعكس «التراث الشعبي، وآثر الثقافات الأخرى على الثقافة المحلية، والرابط بين الثقافة والتجارة في تلك الأزمنة» ويضيف عنان حول علاقة المرأة بأزيائها التي أضحت جزءاً رئيسياً في أعماله الفنية «هناك اقمشة معينة تختارها فتيات القرية، تمتاز بالزخارف، والأشكال، ورسومات الورود. تقوم الفتيات بارتدائها في البيت فقط، وعندما تتعدى أسوار البيت تتشح بالسواد» ومن هنا يدمج عنان حالتي الستر والانكشاف في حالة واحدة «فأجعلها مرتدية ما يسترها، وأكشف شيئاً من جسدها في ذات الوقت».

كولاج: أقمشة، وترابٌ وخشب
أحب الفنان عنان فن الكولاج، فاتجه لإدخاله على أعماله الفنية، مستخدماً مختلف المواد كالتراب، والخشب، وقصاصات الجرائد، وغيرها، إلا أن الأقمشة القديمة المستخدمة في لباس النساء القرويات كان لهُ آثرهُ الخاص «لفت انتباهي الألوان الحارة الموجودة في هذه الأقمشة، فحاولت توظيفها بطريقة تظهر جمالية القماش، وجمالية المرأة كذلك».
هذا التوظيف لا يخلو من حنين إلى الماضي كما يقول عنان «لم تعد المرأة اليوم ترتدي تلك الألبسة» لهذا حاول الفنان توظيف عنصر التناقض في أعماله، فكان ذلك عبر المزج بين التراث والمعاصرة، وإظهار المستور من جسد المرأة، في ذات الوقت الذي تخبأ فيه جزءاً آخر من جسدها. ويورد الفنان عنان استشهاداً بأحد الأبيات الشعرية الشعبية للشاعر محمد علي الناصر الذي يوضح فيها هذا التناقض الذي يعمل عنان على إبرازه في لوحاته، إذ يقول «مستورة ومحد شافها من تمشي تهز بجتافها».

جمالية الجسد الممتلئ!
امتاز عنان برسم المرأة الممتلئة «تلك التي اشتهر بها الفنان الكولمبي فرناندو بوتيرو، بالإضافة لوجودها في تماثيل ما قبل التاريخ» ويتابع عنان «نجد المرأة الممتلئة في العديد من التماثيل مثل التي كانت موجودة في حضارة ما بين النهرين، بالإضافة للحضارة الرومانية، فكانت آلهة الحب والخصب والجمال في تلك الحضارات تشتهر بهيئتها الممتلئة التي توحي بأنها الأم الكبرى وذات الخصوبة والأنوثة».
هذا الأسلوب الفني الذي يتبعه عنان لهُ نماذجه في المجتمع القروي «المرأة الممتلئة موجودة في القرية، وهي التي تلفتُ الانتباه أكثر من تلك النحيفة» ويفصل عنان حول ذلك «المرأة النحيفة لا تبرز جمالية جسدها بسبب العباءة، فيما المرأة الممتلئة تبرز مفاتنها حتى وإن سترتها العباءة، وذلك عائد لطبيعة جسدها».

جيل امتاز بالتجريب والجرأة
يضع عنان نفسه ضمن جيل التسعينيات الذي امتاز بحبه للتجريب والذي «خاض تجارباً مختلفة، وجريئة» مستذكراً أهم فناني هذا الجيل وهو الفنان أنس الشيخ «الذي استفدتُ من تجربته الفنية، وثقافته الخصبة في جميع مجالات الفنون الأخرى كالمسرح، والنقد، والتاريخ. بالإضافة لملاحظاته ونقده للفنانين بأسلوب مميز».
أما اليوم فيقول عنان بأن الفنانين الشباب لا يمتازون بالجرأة والتجريب، ويميلون لفن الديجيتال الذي بات واقع الحياة. وحول ما إذا أدخل هذا الفن في أعماله يقول عنان «أنا مصمم منذُ بدايات ظهور الفوتشوب، وقد ابتدأت بفن الديجيتال، ثم اتجهت إلى فن التصميم الداخلي، وكان هذا متنفسي أثناء عملي لأن أكون في محيط الفن» ويتابع «قمت بتوظيف هذا الفن في بعض أعمالي، إلا أن عمر العمل الفني القائم على هذا الفن قصير نسبياً، لذلك لم أستمر فيه، لكوني أُحب لأعمالي أن تكون أصيلة ودائمة».

يجب تسليط الضوء على الفنان
يرى عنان بأن الفنان بحاجة للدعم على جميع المستويات، وقبل كل شيء بحاجة لأن يسلط الضوء عليه وعلى أعماله من قبل الإعلام بالإضافة «لإشراكه في الندوات التثقيفية، والمعارض، والورش الخارجية» وهذا ما يجب أن يكون بعيداً عن أي موقف سياسي، وبعيداً عن المحسوبيات.
يذكر أن الفنان أحمد عنان أنضم إلى «جمعية الفن المعاصر» في العام 1989 فكانت بالنسبة له المدرسة والكلية التي اختلط عبرها بالفنانين الرواد كالفنان عبدالكريم العريض، والفنان راشد العريفي، الفنان يوسف قاسم.
وشارك الفنان في العديد من المعارض والندوات داخل وخارج البحرين، كما قدم العديد من ورش العمل في فن الكولاج بالقماش، ويحضر لمعرضه الشخصي الذي سيكون في نهاية هذا العام 2014، والذي سيكشف من خلاله عن مفاجأة فنية.

للإطلاع على الحوار pdf:
http://www.alayam.com/Issue/2014/9091/PDF/12.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

الإعجـاز العلـمي.. والإنجـاز­ الوهمـي!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان