«عند الإشارة.. ستكون الساعة»

by: Chaotic Atmospheres

* سيد أحمد رضا
لابد من أنك سمعت هذه العبارة ذات يوم عبر الاتصال بـ 141 للاستفسار عن الوقت بشكل دقيق؟ العديد منا فعل ذلك قبل انتشار الهواتف النقالة، والأجهزة الذكية. ورغم أن هذه الخدمة لا تزال موجودة، إلا أن قلة –إن وجدوا- يستفيدون منها!
كنت تفعل ذلك بدافع معرفة الوقت، ولكن ما الوقت؟ هو في أبسط صوره؛ عقارب الساعة المتقدمة للامام، إلا أنهُ أعقد من ذلك بكثير، فالساعة الزمنية مجزأة إلى دقائق، والدقائق مجزأة إلى ثوان، والثواني مجزأة إلى أجزاء من الثانية كالتي يلمع فيها وميض البرق، أو ترمش فيها عيناك، بالإضافة للأجزاء الاقصر من ذلك بمليارات المرات!
لكن هل تعني لنا هذه الأجزاء شيئاً؟ قد يهتم المصورون الفوتوغرافيون بمعرفة عدد الصور التي تلتقطها الكاميرا في الثانية، إلا أننا بشكل عام لا تعنينا أجزاء الثانية، ولا تشكل فارقاً لدينا، وهي بالتأكيد ليست كذلك بالنسبة لبعض الكائنات الأخرى كطائر الطنان الذي قد تعني له بعض أجزاء الثانية رفّةُ جناح من أصل عشرات الرفات في الثانية الواحدة!
لقد استطاع العالم المصري الدكتور أحمد زويل أن يصور ما يحدث من تفاعلات كيميائية في «فيمتو ثانية» وهي جزء من مليون مليار جزء من الثانية. والتي يوضحها زويل بالفاصل الزمني بين الثانية والـ 32 مليون سنة! أي أن الفيمتو ثانية بالنسبة للثانية ككل، تساوي مقدار الثانية لـ 32 مليون سنة بكل ثوانيها ودقائقها وساعاتها وأيامها وأشهرها وسنواتها!
هذا الوقت الذي لا يمكن لنا إدراكه لتناهيه في الصغر، تدركهُ الخلايا في أجسادنا حيث تتم فيه عدد من التفاعلات الكيميائية، وأترك لك البحث عن ذلك بنفسك، لأني لم استطع استيعاب تفاصيله، بل دفعني لحك رأسي دون جدوى!
إذاً الزمن الذي نتصوره بهذه البساطة ليس كذلك، بل هو زمن أقل من ذلك بشكل مخيف –على الأقل بالنسبة لي- خاصة إذا تصورنا بأن دورة حياة تجري في هذه الأجزاء من الثانية الواحدة. وهذا ما يجعلني اتساءل؛ ماذا لو أن حياتنا مجرد ثانية بالنسبة لمراقب آخر في هذا الكون؟
هذا السؤال في الواقع قد يكون مفهوماً إذا نظرنا للمثال الذي أورده ميشيو كاكو في كتابه «فيزياء المستحيل» خلال حديثه عن إمكانية السفر عبر الزمن، إذ يقول «لو سافر رائد فضاء بسرعة قريبة من سرعة الضوء فقد يستغرق دقيقة واحدة للوصول إلى أقرب النجوم. وستمر أربع سنوات على الأرض» ففي هذه الحالة لا تعني الثانية بالنسبة للمسافر للنجوم، كالثانية بالنسبة لمن هو على الأرض بالتأكيد!
كل ذلك ليس سوى جانب من جوانب لغز الزمن، الذي يعد من أعظم أسرار الكون. وكلما توغل الإنسان في هذا السر، تغيرت مفاهيمه حول الماضي، والحاضر، والمستقبل!
أود الإشارة بأن مجلة «نيتشر؛ الطبعة العربية» أوردت في افتتاحيات هذا الشهر «مارس» خبراً بعنوان «مسألة وقت» تحدثت فيه عن «إماطة اللثام عن ابتكار الساعة الضوئية فائقة الدقة» بحيث لو قدر لهذه الساعة أن تعمل لخمسة بلايين سنة متواصلة فإنها لن تفقد حتى ثانية واحدة!
وبهذا الخبر أجد نفسي كطفل في الثانية من عمره يسأل عن معنى الذرة!

صحيفة الأيام البحرينية، 6 مارس 2014
http://www.alayam.com/writers/11647

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!