كمٌ من التراكمات

الوحيد الذي يعي ذاته
نقفُ أمام مرآةٍ مرتدين الأقنعة. نفتشُ في أجسادنا، عن إنسان نحمل تفاصيله، كائناً لقنا منذُ طفولتنا بأنهُ «أفضل الموجودات، وأنهُ الوحيد الذي يعي ذاته»!
نفتش.. ونستمر في التفتيش:
قال متفلسفٌ يرتدي قناعاً قاتماً: لا شيء.. لم أجد سوى كومةٍ من كلام تراكمت منذُ بدايتي الأولى وشكلتني كما أنا الآن!
وقال آخر وقد تجرأ على خلع قناعه: جوقة عمياء؛ كررتُ ما امتلأ به رأسي منذُ كنتُ صغيراً!
فقال ثالث مصاب بنوبات جنون: كل هذا الغباء يقودنا للانتصار على الوهم... ما الوهم؟ سلمٌ من الغباء، كل عتبة متساوية مع سابقتها، حتى الوصول إلى مستراحٍ هو هذا الوهم.
قلتُ أنا المتمسك بقناعي، بعد أن انتهيت من الاستماع لهم: بذرةٌ تكبر رافضة أن تغادر حتميتها.. هو الإنسان!
قهقه المتفلسف ساخراً، ورمى بشيءٍ على المرآة وهشمها!

حقائق في بئرك
السؤال من حولك حجرٌ في بئر ذاتك.. كلما رميتُ بحقيقةٍ صخبك صداها؛
كلُ حجرٍ طريقك لردم البئر
حتى الامتلاء بحقائقك المطلقة!
ثم اصعد...
أمامك هوةُ للردم بين فوهة البئر والسماء!
دروبك طويلةٌ أمام حياتك القصير!

سل تائهاً!
لا تسل ميتاً؛ عن الركلات التي آلمته
لا تسل عالماً؛ عن حدود السماء التي أرقته
لا تسل عاشقاً؛ عن الترهات التي أسرته!
لا تسل قارئاً عن حكاياته...
إن أردتَ جواباً فسل تائهاً، يجبك بفيض الخيال!

اعتزال الأشياء!
في هذا الرأس.. كلامٌ ينشرُ في الأفكار
وجعٌ ينبشُ في الأيام.. وفي الأحداث...
قصةُ إنسانٍ حاضرةٍ في كل سؤال!
***
تصفعُ رأسك مثل عجوز
تخلقُ فيلاً في أحلامك.. مثل إلهٍ هندوسي
وتحطمُ بعد الجهد جميع الأشكال!
***
تمشي..
تلطمُ تلك الجدران بحناك.. دمك، بصبرك!
وتغني «حطابُ يا حطاب بعدو الشجر مخضر
جيت بربيع الشجر، أرجع وكفي الشر»
أًمنيةٌ تسترجيك بأن تنهي ذاتك..
عن قلقٍ يسكنُ هذا الكون برأسك!
تسكنُ كالحناء بكف عروسٍ
تبعد شرك عنك.. وتحبل بالمكبوت سنيناً!
***
يعمُ سكوناً..
حان الآن مساؤك.. فانصت لليل، وللبحر، ولله
كل الأشياء تمر أمامك مثل سرابٍ
فتجاهل كل الأشياء!

جدال التفاضل
عارٍ من فردتي حذاء.. بقدمي المتسخة أتخطى الينابيع، وكومات الوحل!
أسمعُ ذبذبات الشجر المتشاجر:
- آدم الشجرة، كان يشبهني!
تقول شجرةٌ، فتنكرُ أخرى عليها:
- بل ما عليهِ أنا.. كان آدمنا!
أغرسُ في الطين أصابعي المتسخة بالطين!
أتابع استقصاء الهمس.. همس الشجر:
- استقامتي كاستقامته!
- انتفاخُ جذعي كجذعه!
- خضرةُ ورقي...
- بل اصفرارُ السقوط في الخريف.. كاصفرار ورقه!
أُغطسُ قدمي في ساب الماء، أخللُ أطرافها جيداً عن بقايا الطين العالق، ورائحة الصلصال...
أغمرُ أذني بالماء الدافئ، لأغسلها من جدال التفاضل، ولأُسقط أوحال الذبذبات المتراكمة على حافة الساب.. ثم أنصرفُ خالياً إلا من امتلاء رئتي بعليل المكان!

صحيفة الأيام البحرينية، 25 ديسمبر 2013
http://www.alayam.com/writers/10784

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!