أفكار غبية محترمة!

* سيد أحمد رضا
ماذا يعني أن تبتدع فكرة غبية؟.. لا شيء، ستموت الفكرة في عقلك قبل أن ترى النور، وإن قدر لها أن تخرج، فلن تتعدى حدود الضحك واللامبالاة، لتعود فيما بعد من حيثُ بدأت، إلى العدم!
هنالك أفكار أكثر من مجرد غبية، أفكار ملعونة تندفع باتجاه تدمير الإنسان، وقد تشيع هذه الأفكار فتصبح منهجاً معمولاً به... لكن بعيداً عن سوداوية هذه الأفكار التي تقود للموت، ماذا لو كانت هناك أفكار «غبية» هي عبارة عن خيالات للكون، وشكل الحياة، والبدايات، والنهايات، وغيرها من الأشياء التي تعني وجودنا، واستمرارنا في هذه الحياة؟
أن نُعمل خيالاتنا لابتداع التصاوير هو شيءٌ حاصل في مختلف المراحل والمجالات، الطفل يبتدع التصاوير التي يطلق عليها الكبار «أفكارُ الصغار»، العلماء، المجانين، الشعراء، الأدباء، الفنانون، الفلاحون، البحارون، والجميع يبتكرون التصاوير المختلفة التي يفصح عنها البعض، ويكبتها البعض الآخر لتموت بالنسيان... أليست بعض المعارف الإنسانية والنظريات التي كانت تحاول كشف أسرار الحياة، والكون، والإنسان، هي أفكار ساذجة في أزمنة غير التي ابتدعت فيها؟ أليست فكرة مركزية الأرض للكون، فكرة غبية في عصر يؤمن فيه بعض العلماء بالأكوان المتعددة؟
لننظر للكتابات الأدبية؛ ألا يوجد فيها من الغباوات المصاغة بجمالية أدبية ساحرة؟ أليست بعض الاقتباسات التي نفتن بها، مجرد صياغة لفكرة لا يمكن أن تكون واقعية، أو أنها فكرة غبية إلا أن أسلوب الأديب في التعبير عنها جعلها مقبولة؟
الأفكار الغبية هي التي نقوم بتصنيفها على أنها كذلك وفق أطر مرجعية، ومقاييس متعددة تعنينا، كما يقوم الناس بتصنيف الأفكار الغبية التي قد لا تكون بالنسبة لك كذلك، بناءً على مقاييسهم. إلا أن في ذلك خسارة لبعض هذه الأفكار التي قد تعني شيئاً مهماً على المستوى الشخصي، أو العام، لكنهُ يفلتُ بسبب إبقاء الأفكار في دائرة الغباوات!
وقبل أن أُحاول تعريف الغباء، دعونا نسلم بأنهُ في الغالب أمر نسبي. وأن نتفق بأن الحديث - هنا - ليس عن الغباء الذي يقود إلى إيذاء الغير، كما لنتفق بأن الأفكار تُعمل عقلك خلال التفكير بها، بغض النظر أكانت غبية أم لا - حسب مقاييسك - فالخلايا العصبية في الدماغ ستقوم بوظائفها دون أن يعنيها ذلك!
والآن ما هو الغباء؟ هو عدم الفهم.. ولكن ما هو الفهم؟ هو إدراك الشيء بالشكل المعروف والمألوف، إلخ.. هل تعريفي للغباء غباء؟ إن لم يكن غباءً، فهو على الأقل «خرابيط» كما نقول... ولكن أليس في كل الأشياء التي تسمعها، وتقرأها، وتعرفها، شيءٌ من «الخرابيط»؟ ألا تحتوي أكثر الكتب رصانةً على معلومة خاطئة أو غبية أو «خرابيط»؟
ما أود قوله بأن أفكارنا الغبية ليست بالضرورة «غبية» بالمعنى الذي يدفعنا للاستغناء عن متابعة التفكير بها، إذ انها قد تكون بداية لتغيير لا ندركه بسبب محدودية وبساطة عقولنا في تلك المرحلة، فنحرم من ابتداع الأفكار المبدعة في مختلف المجالات، بناء على تصنيفات نضعها نحنُ، أو من يحيط بنا، أو بسبب القوالب الجاهزة التي لا يجب أن نحيد عنها!

صحيفة الأيام البحرينية، 26 مارس 2014
http://www.alayam.com/writers/11895

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!