«المحتال التائب» مستنسخ الكائنات!

woo suk hwang

* سيد أحمد رضا
لا يخلو فرع من فروع المعارف الإنسانية من المحتالين، ذلك أمر بديهي كون القائمين على هذه المعارف أُناسا تكمن فيهم الطبيعة البشرية، تلك الطبيعة الموجودة لدى الفلاح كما هي لدى العالم، ولدى المهندس كما هي لدى رجل الدين، ولدى الصياد كما لدى المفكر، والأديب إلخ...
في تحقيقه الذي اجراه مراسل مجلة «نيتشر» ديفيد سيرانوسكي، حول أحد أهم العلماء في مجال الاستنساخ، يشرح لنا ديفيد تفاصيل القضية التي جعلت محررة إحدى المجلات العلمية تصف البروفيسور الكوري الجنوبي «وو سوك هوانج» بـ «المحتال التائب»، حيث لم توقف بعض الأخطاء والتجاوزات من طموحات هوانج في مجال الاستنساخ، ليعود من جديد، بكل قوته، إلى ميدانه الذي لطالما امتاز فيه.
يعد الاستنساخ من القضايا العصرية نسبياً.. وكلنا يتذكر النعجة دولي التي كانت أولى ثمار تلك الأبحاث شيوعاً، فبالإضافة لإمكانية إيجاد نسخة طبق الأصل عن المصدر، فإن الاستنساخ يهدف إلى الحفاظ على الأجناس المهددة بالانقراض، ويفيد في البحوث العلمية والطبية، كما يساهم في علاجات بعض الأمراض.. ويمكن عبره توفير أعضاء صالحة للزراعة، وبعث الحيوانات المنقرضة إلى الحياة من جديد!
وعودة على البروفيسور هوانج، فقد استطاع عبر الدعم الذي تلقاه، وما زال، أن يطلق مؤسسة سوام لأبحاث التكنولوجية الحيوية، وبحسب ما يذكره ديفيد فإن الفريق العامل في هذه المؤسسة يقوم يومياً باستنساخ 300 جنين من البقر والخنازير، كما يعمل على استيلاد 15 جرواً مستنسخاً كل شهر!
فمنذُ العام 2006 استطاعت مختبرات سوام استنساخ أكثر من 400 كلب، معظمها من الكلاب الأليفة، أضف إلى أن هذه المختبرات تنتج الأبقار المنتجة لبعض البروتينات البشرية في حليبها، وتقوم بتعديل الخنازير وراثياً بحيث يتسنى للبشر الاستفادة من أعضائها المناسبة لتزرع فيهم!
كل ذلك لا ينفي كون هوانج متهماً بالعديد من القضايا، وأولها فضيحة التزوير التي أدعى فيها بأنهُ استطاع تخليق خلايا جذعيه مستمدة من الأجنة البشرية المستنسخة، كما تورط هوانج في «قضايا أخلاقية من خلال الحصول على البويضات البشرية» مقابل دفع الأموال، وهذا ما يخالف الأخلاقيات البيولوجية المتفق عليها.. وقد اعتبرت جامعة سول الوطنية في كوريا الجنوبية أن أبحاثه المتعلقة بالاستنساخ البشري احتيالاً، فيما منحته كندا بعد أعوام (عام 2011) براءة اختراع حول استنساخه المتعلق بالخلايا الجذعيه البشرية الذي اعتبر في وقت سابق احتيالاً.
وبعيداً عن احتيال هوانج التائب، الذي استمر بشغف في عالم الاستنساخ، بدعم من المجتمع العلمي، والمجلات العلمية التي باتت تدقق بشكل أكثر صرامة على كل البحوث المرتبطة به، فإن مسألة ذات علاقة لابد أن نمر بها؛ وهي إعادة الحيوانات المنقرضة إلى الحياة، فقد سبق لهوانج العمل في إحدى المشاريع التي تحاول إعادة الماموث إلى الحياة عبر استنساخه.
في هذا السياق يكتب كارل زيمر بأن إحياء الأنواع المنقرضة لم يعد أمراً بعيد المنال، فقد طور العلماء فرص نجاح تقنيات الاستنساخ التي كانت «محفوفة بدرجة عالية من المخاطر» لتمسي عملاً يومياً اعتيادياً، إذ أنهم استطاعوا عبر تقنياتهم إعادة بعض الحيوانات المنقرضة منذُ وقت قريب، إلا أن أياً من تلك المحاولات لم ينتج عنها حيواناً سليماً صالحاً للاستمرار على قيد الحياة!
لا تزال البشرية في بداية المضمار إلا أن شيئاً لا يمكن أن يكون مستحيلاً على من يخوض غمار المستحيلات.. وعلينا، إن لم نشارك في العدو، أن نترقب ما سيحدث، وأصابعنا على زناد إطلاق الفتاوى!

صحيفة الأيام البحرينية، 19 مارس 2014
http://www.alayam.com/writers/11811

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!