البحث عن الخلود علمياً

by: Anya Dietrich

* سيد أحمد رضا
الخلود.. حلم يراودُ الإنسانية منذُ أمدٍ بعيد، فقد خلدت لنا إحدى أقدم الأساطير المكتوبة تفاصيل هذا الحلم الذي سعى من أجله بطلها جلجامش، ليكون خالداً كالآلهة، إلا أنهُ فشل في نيله، لكن الإنسان لم يكف عن البحث.
بات الإنسان يوظف كل معارفه وتطوره العلمي والتكنولوجي لفهم الموت، وللتغلب على الأسباب التي تقودنا إليه، من شيخوخة، وأمراض، وحوادث، وكوارث طبيعية.. في الوقت الذي يتطور بشكل موازٍ في ابتكار افتك أساليب التدمير، وأحدث الأسلحة التي بإمكانها محو الإنسان!
وبعيداً عن هذا الجانب، وعن الجدالات الفلسفية والدينية التي تفلسف الموت، وتعلل أسباب عدم الخلود الدنيوي، فإن أحداً منا لابد وأن يراودهُ حلم الخلود، هذا الحلم الذي راود أقدم إنسان كما يراود أي مدرك للموت في يومنا هذا!
يقول ميلان كونديرا « من يفتش عن اللا نهاية ما عليه إلا أن يغمض عينيه» لكن ماذا لو كانت هذه اللانهاية موجودةٌ بالفعل دون أن نغمض عينينا؟ تذكر إحدى المقالات العلمية بأن الموت بسبب الشيخوخة ليس نتيجة حتمية بالنسبة لجميع الكائنات الحية، «بل ظهر كضرورة اقتضتها عملية التطور على مدى العصور».
ولتصور ذلك فإنهُ وعلى مدى ثلاثة مليارات عام، كانت الحياة «في شكل بكتيريا وكائنات وحيدة الخلية» خالدة بصورة أو بأخرى، إذ أنها لا تتعرض للموت إلا بتأثير خارجي يؤدي للقضاء عليها، فمثلاً البكتيريا ما تزال حتى اليوم كائنات لا تموت، فهي تواصل التكاثر عبر الانقسام بشكل مستمر.
هذه البكتيريا وكائنات وحيدة الخلية لا تموت إذاً لدواعي الشيخوخة كما يحدث معنا، ومع غيرنا من الكائنات الحية متعددة الخلية، التي اتخذت العملية الجنسية أسلوباً للتكاثر. «مجلة آفاق العلم، صيف 2013»
إن حقيقة الموت التي تعد من أصدق الحقائق، وأكثرها حيرة بالنسبة للوعي الإنساني، قادتنا لابتكار الأساطير في محاولةٍ لفهم هذه الحقيقة وما بعدها. وقد جاءت الأديان بالكثير من التفاصيل حول الموت بالإضافة لاعتباره بوابة العبور إلى الخلود الفردوسي أو الجحيمي الأبدي. كما تؤمن بعض الأديان –الهندية خاصة- بالتناسخ الذي هو عبارة عن عودة الروح بعد موت الجسد إلى جسد آخر، أو لشكل آخر من الحياة.
إلا إن الإنسان لم يكتف بذلك، فتابع بحثهُ لحل لغز الموت، والتمكن من امتلاك مفاتيح الخلود، نجد في العديد من الدول المتقدمة مراكز غريبة من نوعها، ومثيرة للجدل، إذ أنها تُفتتح لتقديم خدمات تجميد الموتى، أو دماغ الميت، وفق آليات متبعة، على أمل بلوغ البشرية مرحلة علمية متطورة تمكنها من إعادة هذه الأجساد إلى الحياة!
هذه الفكرة شبيهةٌ بتحنيط المومياءات الفرعونية وحفظ أجسادها، كما إن فكرة مقاربة لها نجدها في مدافن البحرين التاريخية، حيثُ يدفن الإنسان مرفقاً بأوانيه وحاجياته التي سيحتاجها فيما بعد العودة للحياة. هو إذاً سعي الإنسان للخلود والتغلبُ على الموت، لكن يقدم اليوم وفق نظرة مستقبلية تتكئُ على العلم، والخيال العلمي!
لقد استطاع الإنسان عبر تطوره في الميادين الصحية والعلمية، من تمديد متوسط عمر الإنسان. ويتنبأ العديد من العلماء، وعلى رأسهم علماء المستقبليات بتمكننا في المستقبل من تحقيق تقدم كبير في هذا المجال!
من يدري لعل هذه الخيالات تصبح واقعاً ذات يوم، فيحقق إنسان المستقبل أحلام جلجامش في اكتشاف زهرة الخلود بالوسائل العلمية. ومن يدي كذلك، قد يكون إنسان دلمون المستقبلي مساهماً كبيراً في الوصول إلى هذا الحلم الإنساني بمساهماته العلمية، ومراكزه البحثية!

مقال نشر بتاريخ 8 يناير 2014 في صحيفة الأيام البحرينية
http://www.alayam.com/writers/10967

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!