واقع تكتبه رواية

by: Levi van Veluw

* سيد أحمد رضا
أتذكر تلك اللحظة التي طلب منا أستاذٌ في الجامعة قراءة رواية «1984».. لم أكن أعرف عن هذه الرواية، ولا عن صحابها «جورج أورويل». وبطبيعة الحال أكره تلك الأشياء التي تأتي كفرض إلزامي، إلا أنك ضمن سياق الجامعة مجبر على الالتزام!
بدا الأمر غريباً؛ لم أتعود طوال الأعوام التي قضيتها في الجامعة أن يطلب منا أستاذ قراءة كتاب غير الكتب الدراسية.. قلتُ حينها «كيف سأقرأ كتاباً لم أختره بنفسي؟» كنتُ بالكاد أنتهي من قراءة كتاب برغبة فكيف بكتاب ملزم به، بالإضافة لكتاب المادة الدراسية؟
قصدتُ المكتبة وسألتُ البائع عن الرواية، فأخبرني بأنها نفذت! شعرتُ برجفة، فوضع بعض الأساتذة كوضع الجبابرة لا يتفهمون، ولا يتقبلون الأعذار. سألته عما إذا كان سيأتي بنسخ إضافية في الأيام المقبلة، فأجانبي بإيجابية، خاصة وأن عدداً من الطلاب جاء لطلبها.. عندها شعرتُ بالراحة كوني لستُ الوحيد!
بعد أيام عاودت زيارة المكتبة واقتنيتُ الرواية، وبدأتُ في قراءتها. كنتُ اقرأ خمس صفحاتٍ في اليوم، ولا زال عقلي مبرمجاً على كون الرواية ما هي إلا فرضٌ جامعي، قبل أن أبعد هذا الاعتقاد الذي أفسد متعتها في البداية... لأنطلق متناسياً أن أستاذ المادة طلب منا قراءتها، كنتُ اقرأها لنفسي، لا من أجل الأستاذ أو المادة، حينها بدأت الصفحات تتطاير وبدأتُ بالشعور بروعة الرواية التي حرضتني على قراءة هذا النوع من الأدب.. فكان بعدها عبدالرحمن منيف برواية «شرق المتوسط» ليأسرني هذا المنيف كذلك!
قبل أيام وأنا اقرأ تقريراً عن كوريا الشمالية في مجلة ناشيونال جيوغرافيك تذكرت بعض تفاصيل رواية أورويل، إذ يذكر الفوتوغرافي ديفيد غاتينفيلدر بأنهُ «لعقود من الزمن كانت الصورة التي تردنا من كوريا الشمالية صوراً دعائية. لذلك يرى معظم الناس أن هذا البلد عبارة عن واجهة مسرحية، حيثُ كل شيء مجرد تمثيل ولا وجود لما هو حقيقي».
كانت وزارة الحقيقة في رواية «1984» مسؤولة عن كل زيف. وتقوم بهذا الدور الذي ذكره ديفيد في حديثه عن كوريا الشمالية. وهو في الحقيقة دور لازال يمارس في دولنا العربية ودول العالم بأشكال متفاوتة من دولةٍ إلى أخرى.
كما أن وكالات الأنباء أوردت في الآونة الأخيرة نبأ إعدام زوج عمة الزعيم الكروي الشمالي، الذي أقدم على إزالة أرشيف بلاده من الانترنت ليصنع تاريخاً آخر، في حدثٍ مشابه لما كان يقوم به «ونستون» بطل رواية أورويل عندما كان موظفاً في وزارة الحقيقة!

صحيفة الأيام البحرينية، 27 يناير 2014
http://www.alayam.com/writers/11187

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!