أهل الأرض...

من اليمين: تصور لإنسان النيندرتال، دب الماء، بكتيريا

* سيد أحمد رضا
قبل أن يرد في ذهنك بأنك أحدهم، ألتفت حولك، ستجد غيرك بكل تأكيد، آلاف، ملايين، مليارات، تريليونات... أرقام قد لا نعرف عدد أصفارها، ولا حتى نطقها، وما البشر سوى عددٍ لا يتجاوز أصابع اليدين، إذا ما افترضنا بأن كل أصبع تمثل ملياراً واحداً!
الحيوانات والحشرات والنباتات هي الأخرى كائنات تتشارك معنا الأرض... تماماً كالأسماك، والبرمائيات، والجراثيم، والفيروسات، والفطريات، وغيرها من الأنواع التي تندرج تحت عنوان «أهل الأرض».
تريليونات من الكائنات التي نعرف ولا نعرف، أصناف لم تحص ولم تصنف، أشكال ما خطرت ببالنا، يقال بأن الإنسان لم يكتشف سوى نسبة ضئيلة من أعماق المحيطات، فما يدرينا، ماذا يوجد في النسبة الكبيرة المتبقية من هذا العالم الذي يشكل أكثرية أرضنا؟
جسدك، هل تخيلته كوكباً عامراً بالكائنات؟ هو كذلك بالفعل إذ أن البكتيريا تعتبر مكوناً طبيعياً من مكوناته، حيثُ تعيش على جلدك وفي داخلك حوالي مائة تريليون من البكتيريا المقسمة إلى خمسين نوعاً. فأنت بصورة ما كوكب يضج بالحياة، أعداد لا يمكن إحصاؤها بدقة متناهية، تعتبر مهمة لوجودك، ولمساعدتك على البقاء، والحفاظ على توازنك الصحي، كما هي مضرة في بعض الأحيان.
مسَتعمرٌ أنت من هذه الكائنات من رأسك حتى أخمص قدميك، بالمعنى الحقيقي لهذه العبارة الشائعة الاستخدام مجازاً، لكنها في هذه الحالة دقيقة تماماً... فأنت لست وحدك، ولا يمكن أن تكون كذلك، دائماً ترافقك هذه الكائنات.. ولست وحيداً سوى كحالة عقلية متمايزة عنها، ودون ذلك، أنت كائن لا يمكن لك أن تكون وحيداً في انعزال تام دونها!
فالحياة بكائناتها تضوج من حولك، وأنت تضوج بها، وكوكبك عامرٌ هو الآخر بها، وكونك...؟ هل كونك هذا الذي لم تدرك كل تفاصيله بعد ينعدم منها؟ لا شيء يؤكد أو ينفي لنا ذلك، يبقى الأمر مجهولاً ما لم نحصل على إشارة تثبت وجود غيرنا، سواء كان عاقلاً أم غير ذلك..
عودة إلى الأرض، فالتقديرات التي أوردتها «مجلة ناشيونال جيوغرافيك» بشأن الكائنات الحية على الأرض تتراوح ما بين ثلاثة ملايين ومائة مليون نوع، تذكر بأن الحديث هنا عن النوع، لا عن أعداد الكائنات في مجمل الأنواع، حيثُ من الطبيعي أن لا أحد يمتلك إحصاءً دقيقهاً لها... وأنت ايها المصنف على أنك كائن إنساني رئيسي، لست سوى رقم ضمن هذه الأعداد الكبيرة، لكنك الفارق!
ولا يعني كونك الفارق بعقلك، فإن كائنات الأرض ستفنى من دونك، أو إن الأرض ستفنى من غيرك.. لقد عاشت العديد من الكائنات قبل أن يبصر الكائن الإنساني الأول وجوده.. بل أن الإنسان أصبح مصدر الخطر الحقيقي على هذه الأرض، إلا أنهُ يبقى الفارق بكونه سيداً بعقله، وبه تسيد على الكائنات الأخرى التي تتفاوت بنسبة الذكاء، لكن أياً منها لم يستطع مجاراتك!
في زمنٍ ما لم تكن السيد العاقل وحدك على هذه الأرض، أنواع أخرى من البشر كانت معك، إلا أنك تفوقت عليها بقدرتك وذكائك، فسُدت على هذه الأرض، لتبقى أنت وحدك، الإنسان العاقل الحديث، الذي يستوطن مشارقها ومغاربها، ولا يزال يتصارع حول السيادة بين بعضه البعض!

صحيفة الأيام البحرينية، 2 أبريل 2014
http://www.alayam.com/writers/11975

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!