فوتوغرافي البحث عن الإنسان!

إحدى صور الفوتوغرافي مارك كيسيل
* سيد أحمد رضا
بدلاً من أن يكون مصوراً للطبيعة النائية في «ناشونال جيوجرافيك»، كما تخيل في بداية تحوله، استرجع ماضيه في دراسة الطب، واستذكر الجثة التي شرحها أثناء الدراسة، لتكون البداية لمصورٍ استثنائي يلتقط صوراً لا يمكن إلا أن تثير في ذهنك العديد من التساؤلات...
مارك كيسيل «Mark Kessell» طبيب استرالي ترك مهنة الطب في بداية عقده الرابع ليتجه لاحتراف التصوير «الداجيري» القديم الذي ابتكره الفنان والكيميائي الفرنسي لويس داجير «ام 1837» عبر استعمال الألواح المعدنية المفضضة، وتعريضها لبخار اليود، لتوضع في الكاميرا وتلتقط الصور.
راح مارك يلتقط صوراً لمراحل حياة الإنسان منذُ وجوده الأول في الرحم، حتى الوفاة. فامتاز بصوره التي تثير في المتلقي الدهشة، وتبعث التساؤلات، وهو ما يريده بالفعل من صورة كما قال في حواره مع مجلة «نيتشر: أكتوبر 2013» حيثُ أراد لهذه الصور أن تجعل كل مشاهديها يتساءلون عن «معنى أن نكون بشراً من منظور بيولوجي».
ولا ينحصر الأمر بمراحل نشأة وتطور الإنسان، بل أن «كيسيل» ذهب باتجاه البحث عن فردية الإنسان بين الكائنات الحية، ومدى اشتراكه جوهرياً معها في العديد من الأمور، فكانت مجموعته «أصدقاء متفرقون» التي تعرض صور لحيوانات متفرقة ومن ضمنها القردة والزواحف والطيور، وقد التُقطت في وضعيات «تبدو معبرة عن العواطف الإنسانية» لتبين مدى اشتراكها معنا جوهرياً في هذه السمة، وإن امتاز بها الإنسان.
وفي مجموعته «العينات المثالية» يذهب بنا «كيسيل» في رحلة تمتدُ من ولادة الإنسان حتى موته، إلا أن من الصعب «تمييز الأجساد الميتة من الحية» كما يقول عن هذه المجموعة؛ أنها السؤال عن ما الذي ميزنا لنكون بشراً ذا عقول؟ وماذا يعني أن تكون إنساناً من الناحية البيولوجية؟
وفي ذات التيه يدخلنا «كيسيل» من خلال مجموعته «يحدد لاحقاً» التي تتناول الأطفال المكفوفين، حيثُ يصور مجموعة من الأطفال بعضهم ذوو عيون مفتوحة، وأخرى مغلقة، لكن ليس بالضرورة أن يكون صاحب صورة العين المغلقة هو المكفوف، والعكس صحيح...
أما مجموعته «الأدوات الجراحية» التي صور فهيا «كيسيل» الأدوات المستخدمة لإجراء علميات التجميل، والعمليات الجراحية الطبية، فقد أراد من هذه الصور التي تبدو مرعبة، أن يبين مدى التناقض في كون هذه الأدوات، المسؤولة عن إنقاذ حياتنا أو تجميلنا، هي ذاتها التي صممت «لتمزيق وتقطيع اللحم البشري، وتغيير الجسد الذي يحدد هويتنا بشكل كبير».
أنهُ البحث الدائم من قبل هذا الفوتوغرافي «مارك كيسيل» عن كل الثنائيات والتناقضات؛ بحثٌ عن الإنسان وما حوله من كائنات. عن المشتركات... عن ما يجب أن نراه، وما نريد نحنُ أن نراه دون التفاتة لغيره مما لا نريد!

صحيفة الأيام البحرينية، 9 أبريل 2014
http://www.alayam.com/writers/12042

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!