أن نثق بعلم و«نخرفن» آخر!

تشارليز داروين، وإحدى طائرات البوينغ
* سيد أحمد رضا
الانتقائية عادةٌ من عادات الإنسان التي تتداخل فيها الكثير من الأشياء، كالتربية، والموروثات، والمعتقدات، والتعليم، والقواعد الشخصية التي نضعها، وغيرها من الأشياء التي تشكل طبيعة الحياة التي نعيشها، وصولاً إلى نوع الطعام الذي نفضله.
على مستوى النظريات العلمية، هناك العديد من النظريات التي ننكرها لمجرد اعتقادنا بتعارضها مع الدين، خاصة تلك التي تفترض إجابات على اسئلة لطالما أجاب عنها الدين، أو تلك التي نعتقد بأن الدين وحده القادر على الإجابة عليها. وهذا يقودنا للإيمان ببعض النظريات، مالم تمسّ مسلماتنا، في الوقت الذي “نخرفن” أو نخطأ نظريات أخرى، لمجرد كونها تتعارض مع ما نؤمن به، ونجتهد لردها –وبما أننا لا نمتلك الآليات العلمية، نلجأ لردها فلسفياً أو عقلياً عادةً- وتبيان لا منطقيتها!
وعلى سبيل المثال؛ نحنُ لا نعترض، وقد لا نتساءل، عن تلك النظريات التي أوصلتنا للقدرة على الطيران، في الوقت الذي نؤمن بأنهُ نتيجة عبقرية الإنسان، وما وصل إليه من علوم قادته للتحلق فوق الغيوم.. لكنا قد نُنكر نظريات أخرى تتعارض مع ما لدينا من مسلمات، كأن نُنكر نظرية التطور، لمجرد اختلافها مع حقيقة إيماننا بشأن الكائنات الحية!
إن إنكارنا لمثل هذه النظرية، وغيرها، لا يقدم شيئاً في الحقيقة، فلا العلوم المبنية على أساسها ستنهار، ولا نحنُ سنتوقف عن تعاطي العلاجات التي قد تكون موجودة بفضلها. بالإضافة إلى أن نكراننا لن يشلّ عزيمة العلماء عن متابعة البحث. ولا أقول ذلك إيماناً بحقيقة العلم المطلقة، فلطالما أمنة البشرية بنظريات كشف خطأها فيما بعد، بل أن علوماً واختراعات بنيت على نظريات أُثبت فيما بعد عدم صوابيتها. لذلك فإن من الأمور المسلمة احتمال الخطأ، سواء فيما نؤمن به من تفسيرات، أو في النظريات المطروحة مالم ترتقي لكونها حقائق علمية ثابتة، إلا أن هذا لا يعني الكف عن متابعة البحث للوصول إلى نتائج مختلفة!
وعلى ذلك لا يمكننا أن نُنكر نظرية علمية لمجرد كونها تصطدم مع اعتقادنا، فهذه ليست بحجة أمام حجة الدليل العلمي... كما أن الإنكار في هذه الحالة قد يحرمنا من حرية التعمق في البحث، وقد يقف عائقاً أمام الكثيرين ممن يمتلكون أهلية تطوير النظريات والتوصل لحقائق متقدمة، وهذا واقع العلوم اليوم، فليست نظرية النشوء والإرتقاء التي قال بها داروين هي ذاتها التي عليها اليوم، ذلك لأن العلوم في تطورٍ وتفرعٍ مستمر، حالهُ كحال أية شجرة، تبدأ من بذرة، ومن الغباء أن تسحق هذه البذرة، وتنتظر شجرة مثمرة!
وسواء تجاهلنا تلك النظريات أو لم نؤمن بها، فإننا نخسر أكثر من خسارة تلك النظريات لمكانتها، كما أننا ورغم إنكارنا لصحة تلك النظريات قد نستفيد من بعض نتائجها، سواء بصورة ابتكارات أو علاجات أو غيرها من الأشياء... ولو عدنا إلى مثال الطيران، فإن إيماننا أو عدمه بنظرية الجاذبية لن يغير شيئاً في كوننا كمستهلكين سنصعد الطائرة لنطير، لكن ذلك يشكل فارقاً فيما لو كنا منتجين أو مبتكرين، أو مشتركين حقيقيين في تقدم البشرية!

صحيفة الأيام، 30 أبريل 2014
http://www.alayam.com/writers/12267

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!