نهضة آينشتاين العرب

"آينشتاين العرب" الدكتور علي مصطفى مشرفة
* سيد أحمد رضا
«الناس قد سئموا الأساليب البالية فيما يُكتب وما يُقال، وهم يتطلعون إلى قيادة فكرية جديدة، أساسها الحقائق لا الأوهام، وقوامها العلم لا صناعة الكلام» هكذا يبدأ آينشتاين العرب، العالم المصري علي مصطفى مشرفة «1898 – 1950» كتابه «العلم والحياة» الذي ألفه على شكل رسائل قبل 70 عاماً من الآن، وما زال هذا الكتاب يمس واقعنا بشكل مباشر، مع تغيير بسيط، ضع مثلاً كلمة أجهزة ذكية مكان آلات في قوله «إن عصرنا الحديث عصر علمي، من أهم مميزاته استخدام الآلات والمحركات الآلية». وطور بعض النظريات وفق ما توصل له العلم الحديث، ثم ابدأ القراءة وكأنك تقرأ كتاباً مؤلفاً بالأمس!
يرسم مشرفة خارطة لعالم عربي مختلف، عالم أراده هذا العبقري، الذي يشاع بأن إسرائيل اغتالته، أن ينهض كأمة محترمة بين الأمم الأخرى، فإن لم يكن احتراماً مبنياً على مكانته الحضارية، فاحتراماً جبرياً –وأقول احتراماً مجازاً- تفرضه القوة الرادعة في مواجهته، خاصة مع إسرائيل.
لا أريد الحديث عن مشرفة، فكل ما لدي من قوقل، ويوتيوب، لكني سأتحدث، باقتضاب جداً، عن كتابه «العلم والحياة» الذي هو عبارة عن عددٍ من المقالات التي يتناول فيها علاقة العلم بمختلف شؤون الحياة، بدءا من السياسة، وانتهاءً بالحياة المتمثلة في الكون، والحقائق، والقيم البشرية كحب الخير والحق والجمال.
يشرع الدكتور مشرفة بالحديث عن العلم والسياسة اللذين يرى في اجتماعهما «خلاص الأمم ونجاة البشرية» فلطالما ارتبطت السياسة بالمآسي والأحزان، لكنها بتآزرها وتعاونها مع العلم ستكون في خدمة الإنسانية، ويضربُ لنا مثلاً بما حدث أثناء الحرب العالمية في إنجلترا حيثُ لجأ الساسة إلى العلماء فكان أن أنقذوها من مجاعة محققة، فاعترف رئيس وزرائهم بأن العلم هو من أنقذ إنجلترا.
وعندما انطلقت الثورة الصناعية في أوروبا فإنما «قامت على العلم والاختراع» حيثُ يذكر مشرفة بأننا لا يمكن أن نرتقي ونحافظ على استمرارية صناعتنا إن لم نربطها بالعلم، لدى فإن «على الدول أن تنشئ معاهد البحوث العلمية والصناعية لحماية الصناعات القومية والمحافظة عليها، والعمل على تقدمها».
إن العلم هو المقوم الرئيسي الذي يستنهض كل المجالات إذا ما ارتبط بهاٍ، وحول ذلك نجده في مقالة «العلم والأمة العربية» يشترطه كضرورة أساسية لتبوئنا مكانة بين الأمم، ويستوجب على المفكرين، وقادة الرأي «أن يوجهوا الرأي العام في البلاد العربية صوب الفكرة العلمية».
ثم يتطرق مشرفة لعلاقة العلم بالأخلاق، منتقلاً لعلاقته بالدين، تلك الجدلية المستمرة التي يُفند فيها مشرفة أن يكون الدين عائقاً أمام التقدم العلمي، مبيناً أن الخلل يكمن في رجالاته، وفي المجتمعات التي يسكنها الجهل، فالعلم «يوجد أينما وجد الفكر البشري، وينمو ويزدهر حيثما ترتفع الحضارة، وتعلو النفوس، وتتحرر العقول».
وفيما يتعلق بالأخلاق فإن مشرفة ينحو منحاً أرسطوياً في جعله على قمة الهرم، ويصبغه بالفضائل المثالية، كالسمو فوق الشهوات، وتطهير النفوس من أدناس الأنانية، ومحو حب الذات وغيرها من الأوصاف الطوباوية! ويستوجب من جانب آخر على الدولة «أن تترك العلماء أحراراً في حكمهم على الأمور» وأن تشعرهم باستقلالهم، «فاستقلال العلم والعلماء شرط لابد منه لحياة العلم والفضيلة على حد سواء».
ولا أعتقد بأن مشرفة غافل عن ما انتجه ارتباط العلوم بالعديد من المجالات التي خلفت المآسي، فهو يدعو العلماء لرفع أصواتهم داعين للخير والعدل، في ظل لوم العلم «على ما أحدثه من مخترعات فتاكة، وآلات مهلكة قد أدت إلى كثير من البؤس والدمار» ولذلك أجد بأنه ينظر للعلم بمنظار يسمو بالإنسان، وما تلك إلا حوادث عرضية.
في هذا الكتاب ستقرأ مشرفة بلذة قراءتك لأدباء عصره، بل أنني وجدته أكثر مرونة وإيضاحاً من العديدين في ذلك العصر، وهو بذلك يطرح حلولاً لقضية ما نزال نجهل قيمتها، وهي قضية العلم، بل أنه يرسم مستقبلاً لطالما حلم به العلماء والمفكرون في هذه الأمة، وقليل منهم من سعى لتحقيقه على أمل النهوض بها، كالعالم المصري أحمد زويل عبر مشروعه «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا».

صحيفة الأيام البحرينية، 23 أبريل 2014
http://www.alayam.com/writers/12196

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!