الحضارة الإنسانية الطفلة

رسم تصويري، أو تمثيلي، لإنسان النياندرتال
* سيد أحمد رضا
منذُ ذلك الحين، ونحن نتابع المسير لمستقبل مجهول، تنبأ به العلماء، لكنا لسنا متأكدين من بلوغه، فأمامنا زمن أكثر من زمن وجودنا، ووجود أرضنا التي تبلغ من العمر أربعة مليارات سنة ونصف، أمامنا متسع من الوقت، خمسة مليارات سنة تقريباً، وبعدها تستنفذ الشمس وقودها النووي، وتنتفخ لتبتلع الأرض والكواكب القريبة، بكل ما عليها. فإن كانت الإنسانية ما تزال موجودة، ولم تستوطن مكاناً آخر في الكون، فستكون النهاية الأبدية لجنسنا، ولجميع الأجناس الأخرى!
عن أي حين ذلك الذي بدأت به المقال؟ ظهرت أولى أشكال الحياة البسيطة على الأرض قبل ثلاثة مليارات سنة، أي بعد مليار سنة من تكون الأرض، وبعد ملايين السنين الطويلة، ظهرت أسلاف الإنسان الأوائل قبل 6.5 إلى 4.4 مليون سنة، كما يذكر أمين قسم الأنثروبولوجيا في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي «إيان تاتيرسول» ومنذُ ذلك الحين، وهو عمر مبكر مقارنة بالكثير من المخلوقات التي سبقتنا للوجود كالدينصورات والصراصير، ونحنُ نسير إلى ذلك المستقبل المجهول والمتغير باستمرار!
كانت أفريقيا أرض البدايات بالنسبة للإنسان الذي استمر في التطور عبر مسيرته، وصولاً إلى هجرته منها قبل حوالي 200 ألف سنة، منتشراً، على شكل مجموعات صغيرة، للاستيطان في العديد من أنحاء العالم. ومتابعاً تطوره، حيثُ صادف أن كانت هناك أنواع بشرية أخرى غير الإنسان العاقل الأخير، أي نحن، وقد استطعنا الفوز على تلك الأنواع، والبقاء إلى يومنا الحاضر، وعلى أبناء جنسنا الذين سيأتون على مدى ملايين السنين القادمة أن يتمكنوا من أيجاد كوكب آخر، أو طريقة أخرى للحياة خارج الأرض التي ستلتهمها الشمس حين تنفجر. يقول ستيفن هوكنغ «يجب علينا أن نكون قد سيطرنا على فن السفر الكوني، طالما أننا لم ندمر أنفسنا» سواء بالحروب النووية، أو بلامبالاتنا تجاه أرضنا!
لكن؛ ما الصورة التي سيكون عليها إنسان المستقبل البعيد، كيف سيكون شكله، عقله، تطوره، تكنولوجياته، تقنياته، سلوكه، أديانه واعتقاداته؟ وما نوع الحضارة التي ستكون؟ وما شكل الحياة التي سيعيشها؟ كل تلك الأسئلة، بالإضافة لما قد تطرحه في ذهنك، تثير فضولك لمعرفتها، بل وتتمنى لو أنك تستطع النظر إلى شكل الحياة في ذلك المستقبل، خاصة عندما نعلم بأن البشرية استطاعت أن تقفز قفزات مذهلة في غضون آلاف قصيرة جداً من السنين، فأغلب الحضارات الموصوفة بالمعقدة، لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة من تاريخ البشرية، ويعتبر السومريون أقدم بناة حضارة في التاريخ كما يقول «إيان تاتيرسول» الذي يبين لنا إن الفترة الواقعة ما بين عشرة آلاف سنة، وستة آلاف سنة مضت، هي فترة الانتقال العالمية من الحضارة البسيطة المتمثلة بالصيد، إلى شكل أكثر تجدراً يعد حضارة.
إذاً الإنسان العاقل الذي استطاع أن يقيم حضارة، ما زال في مراحله الأولى، برغم التقدم الذي بلغه، فهذه شاشة هاتفك تستجيب للمسة أصبعك، أو رمشة عينك، وتلك صورتك تنتقل في اجزاء من الثانية إلى أقصى أقاصي الأرض، بالإضافة لما بلغه الإنسان من تطور على جميع الأصعدة، وعلى الرغم من كل ذلك ما يزال تصنيف حضارتنا على أنها «حضارة من النوع صفر» كما يقول ميشيو كاكو، وذلك وفق التصنيف الحضاري للحضارات الفضائية في الكون، الذي وضعه عالم الفيزياء الروسي «نيكولاي كارداشيف»، فنحنُ لا نزال نعتمد على مصادر الطاقة البدائية كالنفط، والمخلفات الحيوية، وغيرها.. إلا أننا في طور الإنتقال إلى حضارة من الصنف الأول، ومن أبرز أشكالها الإنترنت!

صحيفة الأيام البحرينية، 7 مايو 2014
http://www.alayam.com/writers/12373

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!