زوجة واحدة لملايين السنين!

صورة تخيلية للفتاة "لوسي" (مستحاثة)

لم يخطر ببالي يوماً السؤال عن سبب امتيازنا كبشر، بالعلاقات الزوجية الثنائية التي تربط بين الرجل والمرأة بشكلٍ حصري، وتستمر في أغلب الأحيان حتى الوفاة. كنت أعتقد بأن الإنسان هو الكائن الوحيد من بين جميع الكائنات الحية الذي يلتزم برباط أسري، وبعلاقة ثنائية بين ذكر وأنثى..
وكنت أظن بأن هذه العلاقة نتاج تطورنا العقلي، لهذا لم أكن لأسأل: «لماذا نحن وحدنا من يقوم بذلك؟» فمثل هذا السؤال كسؤال: لماذا لا يستخدم الحصان الكومبيوتر؟! بطبيعة الحال كان لهذا الظن جانبه السلبي في عدم معرفة لماذا نحن كذلك؟ وهل كان أسلافنا القدماء، قبل وجود الشرائع الدينية، يلتزمون بعلاقات ثنائية؟ وما الذي استدعى، إن لم يكن العقل، لنكون استثناءً عن باقي الكائنات؟ ثم هل هناك حيوانات ترتبط بعلاقات زوجية ثنائية حتى الموت؟
كل تلك الأسئلة انطلقت مذ قرأت عبارة تقول «ربما يكون الارتباط بشريك واحد هو أفضل ما قام به أسلافنا».. وكأن «بليك إدجار» وهو القائل، يريد أن يخبرنا بأمرٍ لطالما اعتقدنا بأنه وليد عقلانية الإنسان العاقل. فكيف به يصدمنا بأمرٍ: هو أن أسلاف البشر فعلوا ذلك، وربما، كما يدعي، بأن هذا الشيء من أفضل الأشياء التي فعلوها!
قد يكون من اليسير علينا تعليل هذا الارتباط بكون البداية ابتدأت بهذا الشكل، أيّ أن آدم وحواء بدءوا المسيرة بصورة ارتباط ثنائي، إذ لم يكن من خيار أمام آدم، في مقابل حواء واحدة، لكن لو تجاوزنا هذا التعليل وذهبنا في سياق وجود البشرية، أياّ كانت صورتها، قبل آدم وحواء، فإن اسئلة عديدة تتطلب تفسيراً وفهماً لدى المشتغلين في المجالات المعنية بتطور الإنسان، وفهم سلوكه..
كما أن وجود العلاقات الزوجية الثنائية بين الثدييات يفرض العديد من الأسئلة، في هذا المقام. يؤكد العلماء بأن الإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يخلق علاقة زوجية حصرية بين اثنين، ذكر وأنثى، فهنالك عدد قليل من الثدييات التي لا تتجاوز نسبتها العشرة في المائة، تفعل ذلك، بل وأنها تبقى على ارتباط برابط الزوجية إلى حين رحيلها.
وبالرغم من وجود تعدد الزوجات لدى العديد من المجتمعات البشرية، كمجتمعنا الإسلامي، إلا أن الغالبية العظمى تتجه نحو الارتباط الثنائي، هذا الارتباط ليس وليد العصور الإنسانية المتأخرة، وإنما هو موجود قبل وجود الإنسان العاقل، وتعود أسبابه كما يبين «بليك إدجار» للعديد من الأمور التي يذكرها الباحثون، وعلماء الأنثروبولوجيا، منها على سبيل المثال: التسلسل التدريجي الذي تم عبر انتقال الإنسان من اختلاط التزاوج، كنظام أغلب الحيوانات اليوم، إلى التزاوج المتعدد، كما يفعل الغوريلا، حيثُ يحوز الذكر على عدد من الأناث، وصولاً إلى الزواج الأحادي، وهو النظام الشائع لدى البشر... ويعود هذا التسلسل إلى كون «الحفاظ على زوجات كثيرات ليس بالأمر السهل. فالأمر يتطلب الكثير من القتال مع الذكور الآخرين وحماية الإناث (في تلك الأزمنة).
وربما ظهر التزاوج الأحادي كأفضل الطرق للتقليل من متاعب التزاوج المتعدد الزوجات». يبقى أن نؤكد بأن هذا الموضوع لا يزال موضوع بحث وجدال، ولقراءة المزيد حول ذلك، يمكن الرجوع إلى مقال بليك إدجار بعنوان «قوة العدد اثنين» في «مجلة العلوم، الترجمة العربية لمجلة ساينتفيكت الأمريكية» الذي يستعرض فيه العديد من الفرضيات، والدراسات حول هذا الأمر.

صحيفة الأيام البحرينية، 18 أكتوبر 2014
http://www.alayam.com/Home/Article/90365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العتمة الموحشة!

"لوسي" وخرافة عقل الإنسان

العقل المتقدم والآخر المتحيون!